اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك

 

في جلستى الثالثة مع طبيبي، أخذت مكاني على الأريكة، واسترسلت مفكراً وقائلاً: أحس بأني في بلد ليس مصاباً بشلل نصفي أو رباعي، إنما مصاب بالشلل الرعاش! باركنسونيزم PARKINSONIZM.. كل طرف يرعش في ناحية، وهذا النوع من الشلل إنما هو أسوأها جميعاً!

هذا الذي خرَّب مصر، وجرَّفها، وباعها.. كان دائماً يفخر بأنه دكتوراة في العناد! هذا العناد كان مع شعبه المسكين، وليس مع إسرائيل أو أمريكا، حقاً: أسد علىَّ.. وفى الحروب نعامة! النعامة يا دكتور تدفن رأسها في الرمال حتى تسمع وقع أقدام الصياد فتهرب في الاتجاه المعاكس.. ليته كان كالنعامة.. لما خاب هذه الخيبة القوية: «وخاب كل جبار عنيد» (إبراهيم آية ١٥) (قرآن كريم).

هل أبني مستشفى دون رسم هندسي؟! هل أوظف أطباء دون مؤهلات؟! المستشفى هو الوطن، الرسم الهندسى هو الدستور، الأطباء هم السلطة التشريعية، كيف أقيم بناء دون رسم هندسي، كيف أوظف تمورجية وأقول عنهم أطباء؟!

 منذ بضع سنوات أردنا تكوين حزب (مصر الأم) الذي رفضه صفوت الشريف، ومن بعده مجلس الدولة بالرغم من تقرير مفوض مجلس الدولة نفسه: إنه حزب غير مسبوق في ولاء وحب أصحابه لمصر!!

المهم تقابلت مرتين مع د. فتحى سرور في مجلس الشعب، وقلت له: السلطة التشريعية أخطر من التنفيذية، ما المانع أن نضيف إلى بند ٥٠٪ عمال وفلاحين.. «على شرط أن يكونوا من حاملي المؤهلات العليا»! فكان الرد: هذا يحتاج إلى تعديل بقرار جمهوري!! والحقيقة التي يعرفها الكل أن جيش ٦٧ غير جيش ٧٣، وذلك بسبب المؤهلات! تذكرت وقتها كلمات تشيرشل: إن قيادة قطيع أسهل من قيادة غنمة واحدة شاردة!

سأل سقراط تلميذه: ما الشجاعة؟ فقال: هى الإقدام! سأله سقراط: هل الشجاعة ربح أم خسارة؟ قال التلميذ: هي دائماً ربح! قال سقراط: إذا كان في الرجوع ربح! تتقدم أم تتراجع؟ قال التلميذ مرتبكاً: لا أعرف! قال سقراط: الشجاعة هي التصرف السليم بغض النظر إقداماً أم رجوعاً.. على شرط أن تكون المحصلة ربحا!

الدستور أولاً ربح، والدستور بعد البرلمان.. كارثة!

هؤلاء الذين يتشدقون ويتمسحون بالإسلام، يخرفون ثم يعتذرون، هو ذا الشيخ الغزالي يرحمه الله يقول: كأن الدين الذي يدعو إليه هؤلاء البدو!! دين آخر غير دين الإسلام الذي نعرفه ونعتز به، كما يقول: لم ينجح الحكم الديني في ٩٩٪ من تاريخه!! قال الرسول عليه الصلاة والسلام: آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل، هو ذا فولتير يحذرنا جميعاً: إن الذي يقول لك: اعتقد ما أعتقده وإلا لعنك الله، لا يلبث أن يقول لك: اعتقد ما أعتقده وإلا قتلتك!

كما كان يقول: رجل الدين الجاهل يثير احتقارنا، ورجل الدين المتعصب يثير اشمئزازنا، أما رجل الدين المثقف الواعي.. فهو الجدير بحبنا واحترامنا!

حد يقول لي يا دكتور: ما معنى دولة مدنية بمرجعية دينية؟! الدولة الدينية تحكمها قوانين من الوحي الإلهى، والدولة المدنية تحكمها قوانين من صنع البشر، فلا يجب الخلط بين النظامين، لإرضاء الطرفين! هذا شغل بهلوانات تلعب على الحبلين!!

أيهما أرقى في سلم الأخلاق؟ القانون أم الضمير؟! القانون مع الاستفتاء! لكن الضمير ضده لأنه استفتاء للدائرة الخضراء.. جنة! بينما للدائرة السوداء نار! استفتاء كان يجب أن يشترط التصويت لذوي المؤهلات المتوسطة على أقل تقدير.. أما أن يكون بدغدغة مشاعر السذج بالمادة الثانية، ورشاوى العدس والفول والفلوس، فهذا استفتاء يسقط أمام محكمة الضمير لأنه تزييف.

ظللنا في إنجلترا ستة أشهر نناقش تحويل العملة من الإثنى عشرية إلى العشرية، وأخيراً : صدر قانون العمل بالعملة العشرية، ونحن نسلق دولة في عشرة شهور! يا ويلكم من التاريخ!

هذا النداء لمحبي مصر وليس لساكني مصر: الدستور أولاً.. حتى نفصِّل البرلمان والرئيس عليه، وليس آخراً، حتى لا يأتى لنا برلمان «معروف مسبقاً..» بدستور ورئيس.. نعرف شكلهما من الآن! قد يغلب الباطل الحق في كثير من الأحيان، ولكن تبقى للحق عظمته وميزته الكبرى.. أنه يجعل من أصحابه رواداً للمستقبل، ومصابيح للتاريخ!

  

وسيم السيسي - المصري اليوم