اعلام الضحية

زياد حيدر - الوطن
ورد أمس الأول خبر عاجل لوكالة الصحافة الفرنسية احتل الشاشات العربية باللون الأحمر، ومضمونه أن رئيس وزراء قطر ورئيس اللجنة الوزارية العربية حمد بن جاسم بن آل ثاني يدعو الرئيس السوري «إلى عدم اللف والدوران والاحتيال» بخصوص خطة العمل العربية التي ترغب الجامعة في اعتمادها بخصوص سورية.
 

بعد إعلان الخبر بقليل بدأ التدقيق بكلام المسؤول القطري، ليتبين أنه إجابة عامة أمام سؤال بخصوص تصريحات الرئيس الأسد للتلفزيون الروسي حذر فيها من أن العبث باستقرار سورية سيؤدي لنتائج سلبية كبيرة إقليمياً شبهها الرئيس الأسد بالزلزال. وكان رد حمد متوافقاً بالقول: إن «عاصفة كبيرة» يمكن أن تهب وأن تجنبها يكون باعتماد إصلاحات مطالباً القادة العرب (وهو أولهم المرء يفترض) بعدم اللف والدوران وتنفيذ هذه الإصلاحات وفق برنامج زمني متفق عليه بين الحكومات والشعوب.
والعبارة الأخيرة هي مفتاح للحل في سورية، وتقديراتنا أراد حمد أن يسقطها على دول الخليج التي تقول حكوماتها إنها تسير في برنامج إصلاحي بطيء ومتدرج أياً يكن هذا البرنامج.
لكن الغرض ليس التعليق على كلام حمد، وإنما الإشارة إلى خبر فرانس برس الذي لم يتجنب الدقة فقط، وإنما تعمد الإيحاء بأمر لم يحدث، ومن ثم فرض معلومة غير دقيقة على مسار الأحداث وتغطيتها. هذا يسمى تضليلاً، باللغة الإعلامية، وهو غش باللغة الأخلاقية، نابع من سوء نية واضح. ولو كان العالم مثالياً لوجهت عقوبة للصحفي المسؤول، إلا أن المجال الإعلامي أبعد ما يكون عن هذه المثالية ولاسيما في الظروف الحالية. وسورية كانت دوماً في قلب هذا العالم غير المثالي، وذلك لسبب رئيسي مرتبط بسياساتها الإقليمية وبعض سياستها الداخلية. ولكننا في سورية لم نلجأ مطلقاً لتأمين قدرات تستطيع مقاومة هذه المواجهة الدائمة، وكانت بعض الأعذار تقوم على أساس أن الإعلام الدولي والإقليمي مسير ولا فائدة من مواجهته كما ما من إمكانية لذلك. وأعتقد أن هذا الرأي فيه الكثير من التقاعس وقادنا من مأزق إلى آخر، وساهم بسمعة سيئة لدولتنا، كما وضع السوري أينما كان في موضع المضطر للدفاع عن سياسات بلده الخارجية. والآن في ظل هذه الأزمة العميقة لا يبدو أننا تغيرنا أو اقتربنا من فهم ضرورة أن نكون في قلب المواجهة الإعلامية لا على هامشها. وأشير هنا للحادثة السابقة حيث يجتمع وفد سوري رفيع المستوى ممثلا بوزير الخارجية والمستشارة الرئاسية ونائب الوزير وسفيرنا في الجامعة العربية، لمواجهة رغبة جامحة لدى بعض الدول العربية بالتدويل لأزمة سورية واستباحة سيادتها، ولكن دون أن يكون إلى جانب الوفد إعلامي سوري واحد يستطيع أن يقدم وجهة نظر سورية (في عقر دار «الجزيرة»)، أو أن يسأل سؤالاً داعماً لوجهة نظر الوفد السوري، ليكتفي العالم بما قاله حمد سواء الذي نقل بدقة أم تقصد التضليل من كلامه.
 

شخصياً لا أعتقد أن سورية قادرة على كسب معركة إعلامية ما لم يتحقق عنصران. الأول أن يصبح كل مسؤول سوري على كل المستويات لديه القناعة التامة بأنه مسؤول عن إعلام المواطن بسير عمله، لأنه يفترض أن مصيرهما مشترك. والثاني أن يصبح الإعلام في سورية تنافسياً وتغلب عليه الاستقلالية المالية ليصبح حراً في أدائه. الكلام مكرر نعلم ذلك، ولكن ربما تساهم نقطة وراء نقطة في تحطيم الذهنية الصلبة التي تشكو الإعلام الخارجي دون أن تسعى لمواجهته، ذلك أنه ليس من الكبرياء بشيء الاستسلام للوقوف إعلامياً في موقع الضحية.