اغتيال الكفاءات... اغتيال وطن!

 

 

زياد أبو شاويش - الوطن

 

الأخبار التي سمعناها خلال الأيام الماضية عن اغتيالات تتم لرجال العلم السوريين، ومن كفاءات أكاديمية ومهنية متميزة تدمي القلب، وتلقي بظلال سوداء قاتمة على مشهد الحراك السوري في الداخل والخارج.

 


كان بعض المتظاهرين والمحتجين على أوضاع يرونها خاطئة في بلدهم يستهدفون بعض المؤسسات الحكومية وأبنية الدولة، والممتلكات العامة والخاصة فيحرقون ويدمرون دون وعي منهم بأن ما يدمرونه ملك لهم وأسس في الأصل لخدمتهم. كانت مثل هكذا أحداث فردية ومن عصابات خارجة عن القانون تلقى استنكاراً من كل الاتجاهات ومن كل الشعب السوري، لكنها لم تكن تصبغ الأزمة بهذا اللون البالغ السواد والخانق لروح البلد وقيمها الحضارية والإنسانية.

 


ماذا يعني استهداف جراح ماهر، معروف ومتخصص يقدم خدماته للناس دون تمييز؟ ماذا يعني اغتيال أستاذ جامعي يقدم لوطنه ولأبناء وطنه فكره وجهده ووقته دون تفرقة بين هذا وذاك؟

 


كيف يمكن استيعاب تقديم هكذا خدمة كبرى للعدو المتربص بسورية في الداخل والخارج وفي أي خانة توضع وتحت أي عنوان؟ لماذا نقتل مستقبلنا بأيدينا وما مصلحة سورية الوطن والشعب في تجفيف مؤسساتنا العلمية المختلفة من كفاءاتها المتميزة، ناهيك عن تعطيل الدراسة في المدارس والجامعات، وأي مبرر يمكن لمن يفعل هذا أن يسوقه للناس ولنفسه أيضاً؟

 


إن الإساءة لسورية تاريخاً وحضارةً بهذه الطريقة يدمغ مرتكبيها بالإرهاب والكفر الواضح ولابد من وقفة جادة وحازمة أمام ممارسات من هذا العيار الثقيل لكشف منفذيها والمحرضين عليها ومعاقبتهم، وشرح أبعاد جرائمهم للشعب بمنتهى الشفافية والوضوح حتى لا يختلط الحابل بالنابل وتستغل مفاعيل هذه الجرائم في اتجاهات خطيرة تهدد السلم الأهلي ووحدة البلد.

 


إن استغلال فضائيات الفتنة والتحريض على القتل لهكذا جرائم وممارسات تدل بوضوح على الخلفية الحاقدة والإجرامية لهذه القنوات وأصحابها والمشرفين عليها، كما على وجود منحرفين يستغلون الحالة العامة في بعض المدن والقرى لضرب الوحدة الوطنية وتأجيج النار بغرض التخريب وإساءة سمعة الدولة.

 


إن ما جرى في العراق في ظل الاحتلال الأميركي من قتل للعلماء وتشريد عوائلهم لن يمر هنا في سورية لأسباب عديدة في طليعتها وعي الشعب السوري لخطورة هذا الاتجاه الإجرامي على مستقبل الوطن وشبابه، ومن ناحية أخرى حرص الدولة ومؤسساتها جميعاً على حماية هؤلاء العلماء والمهنيين المتميزين.

إن بناء الحجارة لتحويلها إلى أبنية وناطحات سحاب أمر سهل وجعلته التكنولوجيا والأدوات الحديثة أمراً سهلاً حتى في الدول النامية والمتخلفة، أما بناء الإنسان وبالأخص العلماء والأكاديميين البارزين فهو ليس سهلاً، ويتطلب سنوات كثيرة من الجهد والمتابعة والمثابرة فليترفق بنا هؤلاء القتلة والمأجورون ويكفوا أذاهم عن خيرة أبناء البلد وعقوله النيرة.

الواضح أن هذا الخط الإجرامي القديم الجديد يأتي في سياق ما يجري من احتجاجات ليصبغها بالعنف والتطرف وهو ليس عفوياً ولا معزولاً عن بعض الاستهداف لقوى داخلية ظلامية، ولقوى خارجية تعمل في خدمة الكيان الصهيوني وأمنه، وعلى المعنيين جميعهم في الحكومة والمعارضة أن ينتبهوا لذلك ويواجهوا بحزم هذا التوجه الخطير والغريب عن روح سورية.