الأزمة تسحق قوت المواطن

علاء أوسي - النور
أثّرت الأزمة التي تشهدها سورية منذ ستة عشر شهراً تقريباً مؤثرة في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، في التجارة والصناعة والزراعة والسياحة..، وبالتالي أثرت في الأفراد واليد العاملة. فقد أدت إلى توقف أكثر من 25% من المصانع الرئيسية العامة والخاصة والمصانع التكميلية والورشات الصغيرة، وإلى انخفاض حاد في الصناعات التحويلية التي تشمل الصناعات النسيجية والغذائية والمعدنية والأسمنتية والمشروبات، وذلك نتيجة للحصار الاقتصادي الذي فرضه التحالف الدولي المعادي لسورية من جهة، وحالة الانفلات الأمني من جهة ثانية، والانخفاض الحاد في إنتاج الطاقة الكهربائية من جهة ثالثة، مما أثر سلباً على باقي القطاعات الإنتاجية .
انعكست هذه الأزمة على المواطنين، واكتوى بنارها بالدرجة الأولى ذوو الدخل المحدود والمنخفض الذين يشكلون غالبية الشعب السوري، الأمر الذي تجلى في ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ففي عام 2010 ارتفعت نسبة البطالة من 3,6% إلى 6,8%، لتصل إلى9,14% عام ،2011 وذلك حسب المكتب المركزي للإحصاء، أما حسب توقعات خبراء الاقتصاد فتجاوزت 20% الأمر الذي يشير إلى زيادة معدلات الفقر، الذي يتناسب طرداً مع ارتفاع نسبة البطالة.
وحسب التقرير الاقتصادي للاتحاد المهني لنقابات عمال الكهرباء والصناعات المعدنية، فإن نسبة الفقراء وصلت إلى 41% من عدد السوريين، وهذا يؤكد دون أدنى شك تأثير الأزمة الحالية في زيادة معدلات الفقر، يتوقع أن يصل إلى نسب أعلى إذا لم توضع حلول إسعافية وإجراءات تخفف من وطأة الأزمة الاقتصادية وتؤدي إلى تخفيض الفقر والبطالة عبر زيادة التشغيل، ورفع الإنفاق الحكومي بشكلٍ استثنائي لمواجهة تحديات استثنائية.
ففي خضم الأزمة اختارت بعض الشركات والمصانع تسريح عمالها سبيلاً لتخفيض نفقاتها، ولجأ بعضها إلى إيقاف النشاط كاملاً والإغلاق، فقدرة الشركات على تحمل الخسائر تتعلق بحجم اعتمادها على الإيرادات، ولن تستطيع الشركات التي تعتمد على القروض المصرفية الاستمرار في عملها في ظل الأزمة الحالية.
ومن ناحية أخرى أدى هبوط الليرة السورية مع محدودية الدخل إلى ارتفاع مصاريف وتكاليف المعيشة، وهذا الارتفاع لا يتناسب أبداً مع الموارد المادية المحدودة لهذه الشريحة الكبيرة من الشعب السوري.
فالأسعار تضاعفت عدة مرات ولم تعد تتناسب مع دخول ذوي الدخل المحدود. والمواد الغذائية والخضار التي ننتجها لم يعد بإمكان مواطنينا الحصول عليها، فسعر كيلو الجزر مئة ل.س وكذلك سعر كيلو الليمون، والبطاطا وصلت إلى حدود 75 ل.س. فالأسعار كاوية وترهق المواطنين وهي تخضع لتحكّم كبار التجار بالدرجة الأولى. وفيما يتعلق بأصحاب المهن الحرة قال السيد ناصر (صاحب محل لبيع الشرقيات بدمشق القديمة) (توقفت أعمالنا تقريباً بسبب اعتمادنا على السياح، مما اضطرني لتسريح العاملين لدي، وأثر ذلك على مستوى وضعي المعيشي). وتابع يقول (إنَّ الأزمة تجبرنا على صرف المدخرات القليلة التي بحوزتنا، وأجبرنا انعدام الدخل على إعادة ترتيب أوّلياتنا، فابتعدنا عن السلع الكمالية غير الضرورية بهدف تقليص المصاريف).
وأمست شكوى المواطنين واستياؤهم واقعاً يومياً، فالسيد جوني (صاحب ورشة للصياغة) اضطرته الأوضاع الحالية إلى إغلاقها والبحث عن مصدر دخل آخر، ولكن دون نتيجة إلى الآن، (فالسبات الذي أصاب سوق الذهب أثر أيضاً على عمل ورش الصياغة) على حسب قوله، مؤكداً أن عدد الورش انخفض كثيراً بعد انخفاض عملهم بنسبة لا تقل عن 90%، وقال (إنَّ مقدار ما كنا ننجزه بيوم واحد صار حصيلة أسبوع كامل وأحياناً أسبوعين، بعد أن كنا نعمل أحياناً على مدار 24ساعة).
ولم يكن حال السيد أحمد (صاحب مكتبة لبيع وسائل الإيضاح والكتب التعليمية) بأفضل حالاً بعد أن قضى فيها قرابة عشر سنوات ودفع في تجميلها الكثير، ويبلغ إيجارها الشهري خمسة عشر ألف ليرة سورية، وبالتالي فإن إغلاق المكتبة انعكس سلباً عليه وعلى مستوى دخله وأثر على أطفاله وتعليمهم. وعن مصدر دخله في الوقت الحالي قال (لا حول ولا قوة إلا بالله)!
حال جوني وأحمد مثل حال الكثيرين من أصحاب المنشآت الصغيرة والورشات البسيطة، اضطرتهم الأزمة إلى إغلاق مصدر رزقهم وهم يوجهون عيونهم وقلوبهم نحو المستقبل، جالسين منتظرين رحمة الله لتحل على هذا البلد، فلا يوجد حل إلا بانتهاء الأزمة، وتقصير عمرها، وإنهائها بأسرع ما يمكن، فاستمرارها سيفاقم مشكلة الفقر.