الأسد: الحوار أساس الولاية الثالثة

هل فعلاً ستكون «سوا» شعار المرحلة المقبلة؟
الأسد مقتنع بذلك. يقول ان "الحوار وثقافة الحوار وتعويد الناس على الحوار مع الاخر» باتت عناوين المرحلة. تأكدت صوابية الأمر بعد عدد من المصالحات. «صالحنا حَمَلة السلاح وأصدرنا عفواً عنهم، فكيف لا نحاور بعضنا بعضاً». لم تكن مصالحة حمص نتيجة توافق اقليمي ودولي، بل «كانت نتيجة الحوار بين الدفاع الشعبي والمسلحين.
هؤلاء يعرفون بعضهم بعضاً. يتجاورون في الأحياء. لذلك نجحت المصالحة وتعاملت الدولة باحترام كبير مع المسلحين، رغم الجروح والدماء والأحقاد، وتركتهم يخرجون بعد تسليم سلاحهم ويستخدمون الهواتف ويعيشون حياتهم الطبيعية".
الأسد مقتنع، أكثر من أي وقت مضى، بقدرة الشعب على تخطّي هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا. لعل هذا بالضبط ما أبقاه متماسكاً طيلة الازمة. يقول: "بقيت ألتقي بالناس والوفود التي تأتي إليّ أو أذهب اليها. شعرت منذ اللحظات الأولى لهذه الأزمة التي أدخلوها الى بلادنا لتدمير سوريا ان الناس تثق بالدولة ورئيسها وجيشها. لذلك بقيت أراهن على قدرة هذا الشعب على ضرب جذور المؤامرة. وجاءت الانتخابات لتؤكد ان الناس لم تتغيّر رغم الاعلام والتجييش والتكفير والارهاب والتآمر الخارجي".
دمشق كموسكو
الموفدون الروس كثيرون إلى دمشق، كان آخرهم نائب رئيس الحكومة ديمتري روغوزين. الرجل قال كلاماً عالياً جداً حيال الدعم، تماماً كما كان سيرغي لافروف وبوشكين وغيرهم يقولون، أو ربما أعلى قليلاً.
يقين الأسد بالتحالف مع روسيا ودعم بوتين توازيه ثقته الكبيرة بالموقف الإيراني. بعث مرشد الثورة السيد علي خامنئي أكثر من رسالة دعم واضحة. "يدرك الحليف الايراني أن الحرب على سوريا تستهدفه أيضاً لأنها تستهدف كل خط المقاومة وداعميها". لا تترك القيادة الايرانية فرصة الا وترسل إشارات الدعم. ليس غريباً، إذاً، ان تصدر عن الرئيس حسن روحاني في أنقرة مؤشرات صريحة إلى رغبة طهران بتغيير الرياح التركية التي عصفت على سوريا «فساهمت بالحرب، ولكنها أفقدت تركيا الجزء الأكبر من دورها في المنطقة".
يكتسب الكلام أهمية خاصة الآن للرد على كل من يعتقد ان التقارب الايراني ــــ الاميركي الحالي قد يغيّر موقف طهران حيال القيادة السورية. يبتسم الاسد. يقدّم، كعادته، تحليلاً استراتيجياً دقيقاً وبلا مغالاة، لا بل وبواقعية باردة كالثلج، لكل الإطار الدولي والإقليمي، فيصل السامع الى النتائج التالية:
ــــ "ليس الحليف الايراني هو الذي سيتغيّر حيال سوريا. فهو صامد في موقفه اكثر مما يعتقد البعض. وإنما أميركا والغرب هم الذين بدأوا يرسلون إشارات تغيير. صار الارهاب في عقر دارهم. ثمّة أميركي فجّر نفسه على الاراضي السورية، وثمّة فرنسي من أصل مغاربي قتل يهوداً في كنيس في بروكسيل".
ـــ "لن يستطيع الغرب أن يفعل أكثر مما فعل لتغيير المعادلة. يحكون عن أسلحة فتّاكة وغير فتّاكة. الأسلحة كلها متوفرة عند المسلحين الإرهابيين منذ فترة طويلة بما فيها المضادات للطائرات".
ــــ «يحاول مسؤولون أميركيون حاليون أو سابقون التواصل معنا، لكنهم لا يجرؤون بسبب لوبيات تضغط عليهم». تعود الذكرى الى الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر حين أراد المجيء الى دمشق عام ٢٠٠٧، لكنه اعتذر لاحقاً معللاً الأمر بأن الادارة الاميركية لم تسمح له. الاسد يؤكد هذه الرواية. يضيف اليها جملة واحدة قد تختصر حاضر العلاقة مع اميركا: "اذا كان رئيس سابق لا يستطيع المجيء بلا إذن فكيف بمسؤول حالي؟". قد يفهم السائل ان خطوة السيناتور الأميركي لولاية فيرجينيا الذي نوّه بالأسد وجيشه ضد "المجرمين" لم تكن حالة معزولة ولم تكن مبادرة فردية. التفاصيل سيرويها التاريخ لاحقاً.
. ــــ "الأميركيون أثبتوا انهم اكثر عقلانية من الفرنسيين رغم اشتراك الجميع بالتآمر. يبدو ان احد ابرز أسباب التشدد الفرنسي مالية تتعلق بصفقات مع السعودية وغيرها". ينسحب الحديث الى انتهاء عهد الرئيس نيكولا ساركوزي بفضيحة مالية، تماماً كما كان الحال مع جاك شيراك. "كل من تآمر يرحل وسوريا باقية ومنتصرة بكل أطياف شعبها وجيشها".
ــــ لعل الدولة الاقليمية الأكثر استمراراً في عدائيتها لسوريا بعد اسرائيل، بالنسبة للأسد، هي السعودية. "منذ قمة بيروت التي طرحت فيها الرياض التطبيع الكامل مع اسرائيل اشتدت الخصومة. كانت السعودية تريد تقديم كل شيء لاسرائيل مقابل لا شيء. كانت مهجوسة آنذاك بردة الفعل الأميركية بعد الاعتداءات على مركز التجارة العالمي وتورط سعوديين في الهجوم. وقفنا، أنا والرئيس الصديق إميل لحود، ضد ذلك، وهددت الأمير سعود الفيصل بإلقاء خطاب ينسف المبادرة ان لم تؤخذ ملاحظاتنا وملاحظات خيار المقاومة في الاعتبار. قلت له آنذاك: أنتم توقّعون مبادرة وتغادرون ونحن نتحمل الباقي لأننا دولة مواجهة. غضب الملك آنذاك، لكننا استطعنا تعديل المبادرة قدر الإمكان، فجاءت أقل سوءاً. يمكنني أن أعود اكثر الى الوراء، الى خلافاتنا عام ٨٩ منذ عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد. استمرت الخلافات في القمم الاخرى، لكننا كنا حريصين على جمع العرب لنصرة المقاومة. وحين بدأت الازمة في سوريا، أرسل لنا الملك عبدالله ابنه عبد العزيز يطلب منا ان نسحق المنتفضين، وخصوصاً الإخوان المسلمين، سريعاً وعرض المساعدة". في تفسير الاسد للموقف السعودي تختلط "الإملاءات الأميركية مع الحقد الشخصي، فينتج هذا الموقف العدائي من السعودية".
أما بالنسبة لقطر، فهي "لا تزال تدعم وتموّل المسلحين. لكنها تسعى الآن الى التقارب مع ايران، وتعرب عن استعدادات لتغيير شيء من موقفها. لكن الأساس يبقى التنفيذ. شبعنا شعارات. المهم ان توقف السعودية وقطر وتركيا وفرنسا والغرب الاطلسي دعم الارهاب اذا كانوا فعلاً يريدون تغييراً ".
لم يتغير الموقف التركي بعد. لكن الأسد مدرك أن الحركة الايرانية صوب انقرة، "لا يمكن ان تستبعد السعي الايراني لوقف الدعم التركي للإرهاب، وقد كان ذلك واضحاً من خلال كلام الرئيس روحاني".
دعم الارهاب في سوريا هو الذي يدفع الأسد إلى عدم المغالاة في تحديد موعد لنهاية الحرب. يدرك "اننا أوقفنا المؤامرة على الصعيد الاستراتيجي، وأن الدولة ستنتصر حتى ولو تطلب الأمر وقتاً للقضاء على كل الإرهابيين. لكن تحديد وقت لنهاية الحرب غير منطقي الآن. الأهم هو أن القيادة والجيش والشعب صاروا على يقين مطلق بأن النصر آتٍ. وحين تنتصر سوريا فان العرب جميعاً والمقاومة يكونون قد أوقفوا احد اخطر المشاريع على منطقتهم".
ماذا عن معارضة الخارج؟ لم يتغيّر جواب الاسد الذي كان قد استقبل لتوه منافسه في الانتخابات حسان النوري. "نحن قلنا اننا مع الحوار وحاورنا أسوأ المسلحين. ولكن ماذا سيقدم الحوار مع معارضة الخارج. لا شيء، لأنها ببساطة لم تعد تمون على شيء. ليست لها علاقة لا بالناس ولا بالأرض. بيعت لها أوهام من دول غربية وعربية فباعت الناس أوهاماً. جاءت الانتخابات لتعرّيها. ما بعد الإنتخابات ليس كما قبلها. الناس قالوا رأيهم وعلينا احترامه». ماذا عن جنيف اذاً؟ «انتهى لأن الظروف تغيرت".
الأخضر الإبراهيمي محور الشك
عون النزيه
لا يدوّن الاسد مذكراته. لكن تبدو ذاكرته حافظة لتفاصيل كثيرة، حتى ولو فضّل الكلام الاستراتيجي. أفكاره تذهب نحو عشرات الأسئلة، لكنه يوحي بأنه يهتم بسؤال واحد. تشبه طريقة كلامه السريعة حركته الدائمة، ان لم يكن باليدين فبحيوية الجلسة. لا شيء يناقض حيوية الحديث سوى هدوء الرؤية. يبدو، أكثر من اي وقت سابق، واثقاً بأن "النصر حتمي حتى ولو تطلب وقتاً". يشرح كيف شرعت الدولة في وضع خطط لإعادة الاعمار وإعادة النازحين والاهتمام بمعيشة الناس واقتصادهم في المرحلة المقبلة. يبدو الأسد في مستهل ولايته الثالثة وكأن الجزء الأكبر من الحرب صار خلف ظهره. لعل المرحلة المقبلة ستؤكد ذلك خصوصاً بعد السيطرة القريبة على حلب. حين تصبح المدن الكبرى بيد الجيش تبدأ الورشة الحقيقية «لإعادة سوريا افضل ما كانت،
"
ليس بالصدفة ان يرى زائر دمشق كثيراً من اليافطات حاملة اسماء شركات دمشقية عريقة. واضح ان رأس المال السني سيكون له دور أساس في اعادة البناء تماماً كما "ان كل الطوائف ساهمت في الدفاع عن الوطن لمنع الطائفية من تدمير هذه الدولة العلمانية". لا يرى الأسد أسباباً طائفية للحرب، حتى ولو أن بعض الإعلام غالى في فبركات صور طائفية. الأمثلة كثيرة، تتعاقب في كلام الرئيس، ولعل ابرزها «هجمة التكفيريين والإرهابيين على المعتدلين من أهل السنة وأهل الصوفية العريقة".
أمل الاسد كبير وأصوات المدافع كثيرة. واضح ان بداية الولاية الثالثة ستكون سباقاً بين الأمل والمدافع. لكن أمل الرئيس بأن الحرب ستنتهي حتماً. لولا هذه الأصوات لبدت دمشق بزحمة سيرها وناسها وحضور الدولة فيها وانتعاش مطاعمها كأنها استعادت حياتها الطبيعية. لا بل والطبيعية جداً.