الأغنية السورية.. من العصر الذهبي إلى وظيفة براتب في الاذاعة والتلفزيون!

 

تيسير أحمد - شام نيوز

 

 

ثمة أسئلة معلقة لا إجابات محددة عليها، تتعلق بالأغنية السورية، ولماذا لم تشهد منذ سبعينيات القرن العشرين أي تقدم أو نهضة تذكر؟ على الرغم من أن جميع الشروط الموضوعية كانت متوفرة لمثل هذه النهضة، وما تزال!.

عندما نتحدث عن وجود أزمة في الأغنية السورية، يبدو الأمر غير مفهوم، مقارنة مع الحديث عن أزمات الفنون الأخرى، فالمسرح يعاني في جميع دول العالم من أزمة وجودية، ولذلك لايمكن تخصيص أزمة المسرح في سورياً، والسينما أيضاً لديها مشكلات معروفة الأسباب والنتائج.. أما الأغنية السورية فهي الوحيدة من بين الفنون، صاحبة الأزمة العصية على الفهم!

منذ عقد ستينيات القرن العشرين وحتى أواسط السبعينيات، قدمت الإذاعة السورية مجموعة كبيرة من الأصوات والألحان التي كانت تبشر بمكانة مميزة للأغنية السورية،  هكذا لمع نجم محمد خيري وصباح فخري وسحر ومها الجابري وزكية حمدان وفهد بلان وموفق بهجت وغيرهم، وقد ترافق ذلك مع بروز أسماء ملحنين كبار أمثال سهيل عرفة وعبد الفتاح سكر وقبلهم رياض البندك ورفيق شكري، وبدأت الأغنية السورية تغزو البلدان العربية المجاورة، حتى أن بعض هذه الأسماء قامت بالغناء في قلب عاصمة الغناء العربي القاهرة، وقام الملحنون السوريون بالتلحين لأكبر الأسماء المصرية واللبنانية أمثال محمد عبد المطلب وشادية ووديع الصافي وصباح وشهرزاد وغيرهم.. وكلنا يذكر كيف أن الانطلاقة الحقيقية للمطرب اللبناني وليد توفيق كانت من دمشق، وكذلك لسمير يزبك ومروان محفوظ وكل هذا مفهوم ضمن سياق التفاعل الثقافي والفني ضمن البلدان العربية، ولكن الغريب أن مسيرة تطور وتقدم الأغنية السورية توقفت منذ أواسط السبعينيات، حتى أن مطربة الأجيال ميادة حناوي لم تجد في حينها لحناً سورياً واحد يقدم صوتها للعالم العربي بعد التجربة المعقدة لشقيقتها فاتن، والتي اعتزلت مبكراً على الرغم من إمكانياتها الصوتية الكبيرة، فكان لابد من خيار مصر وبليغ حمدي.

 

مها الجابري من أصوات العصر الذهبي للأغنية السورية

 

فما الذي حدث في ذلك الوقت؟ لقد كانت الأمور من حيث الشكل على خير ما يرام، هناك برنامج إذاعي اسمه نادي الهواة، كان يفترض به أن يكتشف المواهب الجديدة وينميها ويقدمها للجمهور، وكانت هناك دوائر ومديريات في الإذاعة والتلفزيون تعنى بشؤون الملحنين والمطربين وتدفع لهم رواتب شهرية وحوافز مالية، ولكن الحركة توقفت وكفت عن الدوران. لقد عاشت الأغنية السورية منذ أواخر السبعينيات وطوال الثمانينيات من القرن العشرين أكبر أزمة لها، أصوات محدودة وألحان مكرورة وكلمات ممجوجة.. ووحده كان صباح فخري قامة تجاوزت كل ذلك وحفظت للأغنية السورية ماء وجهها.

 

لقد قتل الروتين ومنطق الوظيفة والتعيين والراتب أي إبداع في الأغنية السورية، وتحولت إذاعة دمشق من مركز لاستقطاب الأصوات الغنائية -من أقصى المحيط إلى أقصى الخليج- إلى مركز لتقاضي الرواتب والمهمات والحوافز لمجموعة الموظفين من عازفين وملحنين ومطربين لا أحد على استعداد لأن يقتني لأحدهم كاسيتاً، باستثناءات قليلة.

 


ميادة الحناوي مطربة سورية بلهجة مصرية


والآن ومنذ انطلاق عصر الفضائيات ومتابعة الجمهور السوري للمحطات العربية عابرة الحدود، لم يعد أحد يسمع بالمطربين الذين كانوا يشغلون أوقات الإذاعة الرسمية أو التلفزيون الحكومي، وتبين أن متابعتهم فقط كانت بسبب الأمر الواقع، وبما أن الخيارات باتت متاحة فلقد أعرض السوريون عن سماع مطربي إذاعتهم وتلفزيونهم.. حتى أن الأجيال الجديدة لا تكاد تعرف شيئاً عن أسماء مثل نعيم حمدي وسمير سمرة وعصمت رشيد وماهر مجدي وسمير حسن وسهام إبراهيم، في حين كان ثمة أصوات سورية تتألق في لبنان ومصر بدءاً بميادة حناوي وجورج وسوف وصولاً إلى أصالة. وبدا وكأن السلسلة ستنقطع لولا برنامج سوبر ستار على فضائية المستقبل، الذي قدم لنا معظم الأصوات السورية الجديدة، من رويدا عطية وشادي أسود وحسام مدنية وهادي أسود ووعد بحري وانتهاءً بشهد برمدا.


 

فما الذي ينقص الأغنية السورية اليوم لكي تحجز لنفسها مكاناً مميزاً بين الأغنيات العربية.

فإذا أخذنا موضوع الأصوات، فقد أثبت برنامج السوبر ستار أن سوريا أهم بلد بتقديم الأصوات الجديدة، والدليل على ذلك تنافس أكثر من صوت سوري في الأدوار النهائية للبرنامج المذكور.

أما الألحان فقد كشفت لنا الفرق والمجموعات التي نشأت في العقد الأخير مع تخريج دفعات المعهد العالي للموسيقى وجود موسيقيين رفيعي المستوى وملحنين واعدين ينتظرون الفرصة المناسبة.

والكلمات.. ما أكثر الشعراء..

والموزعون.. باتوا في موقع متقدم والدليل على ذلك شارات المسلسلات السورية..

وتصوير الكليبات.. ما أكثر المواقع والتقنيين.. فالكثير من المطربين العرب صوروا أغانيهم في المواقع السورية، وبالاستعانة بالمصورين والفنيين السوريين.

والإذاعات الخاصة.. أصبحت حقيقة إعلامية لا يمكن إنكار دورها ومكانتها لدى الجمهور السوري.

إذن بقي أمران:

الأول: برنامج تلفزيوني رفيع المستوى يشرك الجمهور باختيار الأصوات السورية الجديدة.

وشركات إنتاج فني تتبنى هذه الأصوات وتنتج لها الأغاني والكليبات وتسوقها عبر العالم العربي.. وفعلاً بدأت في الآونة الأخيرة شركة نينار بملء الفراغ في هذا الجانب، ولكن لنعترف بأن يداً واحدة لا تصفق، وأن هذا الجانب مكمل لجانب آخر وهو البرامج التلفزيونية التي تقدم أصحاب المواهب والأصوات الجديدة للجمهور العريض.

 

لقد تقدمت الدراما السورية بفضل الرعاية الحكومية ممثلة بوزارة الإعلام والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون للقطاع الخاص ممثلاً بشركات الإنتاج التلفزيوني.. والأمر يمكن أن ينطبق على واقع الأغنية السورية التي تحتاج إلى تضافر الجهود الحكومية مع القطاع الخاص، لأن الأغنية السورية والأصوات السورية والتقنيات التصويرية السورية والمواقع السورية، تستحق أن تقف بشموخ إلى جانب الدراما السورية.