الأوجه المختلفة للديمقراطية

سام دلة - بلدنا
الديمقراطية، كما عرَّفها إبراهام لنكولن: «هي حكم الشعب، من قبل الشعب، ومن أجل الشعب». هذا التعريف الأكثر شيوعاً لمفهوم الديمقراطية كنظام للحكم، يعني أنَّ الحكم يكون ديمقراطياً عندما يكون المحكومون هم الحكام، أو عندما يشترك أكبر عدد من المحكومين في ممارسة السلطة.
بيد أنَّ هذا التعريف لا يعبِّر بشكل دقيق عن الأنظمة السياسية التي سادت عالمنا، واعتنقت مفاهيم مختلفة للديمقراطية، نتيجة تفسيرات مختلفة لهذا المفهوم السياسي الذي يعدُّ محور الفكر السياسي في العالم.
في الحقيقة، إنَّ الأفكار السياسية الداعية إلى الديمقراطية المؤسَّسة على فكرة سيادة الشعب وأنّ الحكم للجميع، قديمة جداً. ومن دون الدخول في الأصل التاريخي لمصطلح الديمقراطية، فإنَّ مفهوم الديمقراطية كتعبير عن نظام حكم معيَّن، كان موضوعاً أساسياً في الصراع بين المذاهب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي سادت التاريخ الإنساني منذ نهاية القرن الثامن عشر؛ حين أصبح الفكر السياسي يذكر مصطلح الديمقراطية مقروناً بإحدى المفردات المعبِّرة عن هذه المذاهب مثل: الديمقراطية الليبرالية أو البرجوازية، والديمقراطية الاشتراكية أو الاجتماعية، والديمقراطية التوتاليتارية (الشمولية) أو السلطوية، والديمقراطية الشعبية، والديمقراطية الصناعية، والديمقراطية الإسلامية، والتكنو-ديمقراطية..الخ.. لذلك لا بدَّ لنا من طرح الملاحظات التالية لوضع مفهوم الديمقراطية في إطاره الصحيح:
-الديمقراطية هي مفهوم تاريخي اتَّخذ عبر تطوُّر المجتمعات واختلاف الثقافات صوراً وتطبيقات ومضامين متباينة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
-ضرورة الفصل بين الديمقراطية كمفهوم تاريخي والديمقراطية الليبرالية التي هي نتاج الثورة البرجوازية التي اعتمدت اقتصاد السوق والرأسمالية مذهباً اقتصادياً.
-إنَّ الديمقراطية كمفهوم تاريخي لم تحدِّد شكلاً أو آلية معينة لكيفية ممارسة الشعب للسلطة؛ أي لا توجد وصفة جاهزة لكلِّ الشعوب أو المجتمعات والدول. فكلُّ مجتمع له خصوصيته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتراثية التي تحدِّد هذا الشكل أو هذه الآلية لكيفية ممارسة الشعب للسلطة.
وفي التاريخ الإنساني المعاصر ساد مفهومان رئيسان للديمقراطية: الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية السلطوية أو الماركسية.
-ضرورة الفصل بين الديمقراطية كمفهوم تاريخي والديمقراطية الليبرالية التي هي نتاج الثورة البرجوازية التي اعتمدت اقتصاد السوق والرأسمالية مذهباً اقتصادياً.
-إنَّ الديمقراطية كمفهوم تاريخي لم تحدِّد شكلاً أو آلية معينة لكيفية ممارسة الشعب للسلطة؛ أي لا توجد وصفة جاهزة لكلِّ الشعوب أو المجتمعات والدول. فكلُّ مجتمع له خصوصيته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتراثية التي تحدِّد هذا الشكل أو هذه الآلية لكيفية ممارسة الشعب للسلطة.
وفي التاريخ الإنساني المعاصر ساد مفهومان رئيسان للديمقراطية: الديمقراطية الليبرالية، والديمقراطية السلطوية أو الماركسية.
الديمقراطية الليبرالية
الديمقراطية الليبرالية (Démocratie libérale) التي تعدُّ الأساس الفلسفي للأنظمة السياسية السائدة في الدول الغربية، هي تزاوج بين مفهومين متباينين من حيث النشأة التاريخية والأهداف. فالأفكار السياسية الداعية إلى الديمقراطية المؤسَّسة على فكرة سيادة الشعب سابقة في وجودها للثورة البرجوازية.. في الواقع، إنَّ الأفكار الفلسفية الديمقراطية الليبرالية يمكن تفسيرها على أنها ردّة فعل من الفرد ضد مجتمعه، أكثر منها ردة فعل شعب ضد سلطة أو نظام حكم كان يضطهده. لهذا فقد قاوم الليبراليون الديمقراطية بدايةً، ثم استوعبوها تدريجياً، حيث قيَّدوا حق المشاركة السياسية، خاصةً حق الاقتراع، بقيود مالية أو طبقية أو حتى عرقية، ولم يسمحوا بحق الاقتراع العام للجميع إلا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
الديمقراطية الليبرالية (Démocratie libérale) التي تعدُّ الأساس الفلسفي للأنظمة السياسية السائدة في الدول الغربية، هي تزاوج بين مفهومين متباينين من حيث النشأة التاريخية والأهداف. فالأفكار السياسية الداعية إلى الديمقراطية المؤسَّسة على فكرة سيادة الشعب سابقة في وجودها للثورة البرجوازية.. في الواقع، إنَّ الأفكار الفلسفية الديمقراطية الليبرالية يمكن تفسيرها على أنها ردّة فعل من الفرد ضد مجتمعه، أكثر منها ردة فعل شعب ضد سلطة أو نظام حكم كان يضطهده. لهذا فقد قاوم الليبراليون الديمقراطية بدايةً، ثم استوعبوها تدريجياً، حيث قيَّدوا حق المشاركة السياسية، خاصةً حق الاقتراع، بقيود مالية أو طبقية أو حتى عرقية، ولم يسمحوا بحق الاقتراع العام للجميع إلا منذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
فالديمقراطية الليبرالية، هي شكل من الحكم تعتبر الحرية فيه العنصر الأساس. فتعبير الحكم «من أجل الشعب» يفهم على أنَّ الحكم «من أجل تطور الشعب بشكل حر»؛ أي إعطاء الحرية لكلِّ فرد من أفراد الشعب. فالحرية هي التي تفسح المجال لتحقيق أماني الشعب، وهي مصدر المساواة (المساواة القانونية لا المساواة الفعلية)، وبالتالي فإنَّ هذه الحرية هي الجديرة بالحماية المطلقة.
وحماية الحرية في الديمقراطية الليبرالية يكمن في مجالين: مجال العمل الحكومي، ومجال العلاقات بين الحكام والمحكومين.
ففي مجال العمل الحكومي، يجب أن تتاح حرية الرأي، فتتعدَّد الآراء في ما يتعلَّق بكيفية إدارة الشؤون العامة. وهي السماح بقيام تشكيلات سياسية (حزبية) مختلفة يمكن أن تشكِّل أكثرية وأقلية، وتتداول فيما بينها إدارة الشؤون العامة؛ أي هي بمعنى آخر، وجود أغلبية حاكمة وأقلية معارضة.
أما على صعيد العلاقات بين الحكام والمحكومين، فتتجلَّى مسألة احترام الحرية من خلال ضمان حقوق الأفراد، وعدم افتئات الحكومة عليها مهما بلغت الأكثرية المؤيِّدة لها، فالحقوق هي التي تحفظ للأفراد استقلالهم الذاتي.
أما على صعيد العلاقات بين الحكام والمحكومين، فتتجلَّى مسألة احترام الحرية من خلال ضمان حقوق الأفراد، وعدم افتئات الحكومة عليها مهما بلغت الأكثرية المؤيِّدة لها، فالحقوق هي التي تحفظ للأفراد استقلالهم الذاتي.
الديمقراطية السلطوية أو الماركسية
أما الديمقراطية السلطوية أو الماركسية أو الاشتراكية، فقد نجمت عن تأثير النظرة الماركسية أو الاشتراكية لمفهوم الدولة، التي تعتبرها مجرد سيطرة طبقة أو طبقات اجتماعية، مسيطرة على أدوات الإنتاج، على سائر الطبقات الأخرى؛ أي هي نتيجة للصراع الطبقي في المجتمع. والدولة بهذا المفهوم سوف تزول بزوال الطبقات، ليحلَّ محلّ الدولة التي تحكم الأفراد، دولةٌ لإدارة الأشياء.
والديمقراطية السلطوية تركِّز على السلطة وعلى الإجماع في الحكم، كذلك تركِّز على المساواة الفعلية، لا القانونية فقط، بين المواطنين. فالمساواة هي التي تقيِّد الحرية أو تنظمها، فأفراد المجتمع جميعهم متساوون مساواة فعلية، وبالتالي لا مجال لوجود أغلبية حاكمة وأقلية معارضة؛ أي أنَّ المجتمع هو مجتمع إجماعي.
بناءً على ذلك، وبغضِّ النظر عن هذه الأوجه المختلفة للديمقراطية، يمكننا أن نقول:
انَّ الديمقراطية كنظام حكم، ليست مادة نستوردها أو أسلوباً نقلده فحسب؛ وإنما هي نمط حياة لا يتكوَّن إلا بالتراكم (وفقاً للمنطق الجيولوجي) التاريخي. يجب على كلِّ جيل أن يعمل بكلِّ مسؤولية من أجل الحفاظ على هذا النمط من الحياة والحكم وترسيخه والدفاع عنه ضد أيِّ خطر يحدق به بشكل مباشر أو غير مباشر؛ أي لا بدَّ من حامل اجتماعي للديمقراطية. فالديمقراطية ليست نظرية للدراسة؛ وإنما تجربة حياتية؛ أي لا بدَّ من نقلها من حيِّز الخطاب المثالي من قبل الحاكم والمحكوم إلى الواقع التجريبي المعاش.
انَّ الديمقراطية كنظام حكم، ليست مادة نستوردها أو أسلوباً نقلده فحسب؛ وإنما هي نمط حياة لا يتكوَّن إلا بالتراكم (وفقاً للمنطق الجيولوجي) التاريخي. يجب على كلِّ جيل أن يعمل بكلِّ مسؤولية من أجل الحفاظ على هذا النمط من الحياة والحكم وترسيخه والدفاع عنه ضد أيِّ خطر يحدق به بشكل مباشر أو غير مباشر؛ أي لا بدَّ من حامل اجتماعي للديمقراطية. فالديمقراطية ليست نظرية للدراسة؛ وإنما تجربة حياتية؛ أي لا بدَّ من نقلها من حيِّز الخطاب المثالي من قبل الحاكم والمحكوم إلى الواقع التجريبي المعاش.
إنَّ الديمقراطية وفقاً للمنظور التاريخي هي وليدة الحداثة الغربية، ومظهر من مظاهرها، تعمل على تسويقه وتصديره. حيث إنَّ أيَّ اتفاق شراكة مع دول الغرب يترافق مع شقّ يسمَّى «الشرط السياسي». هذا الشقّ يهدف إلى حثِّ الدول الراغبة في الشراكة على تطبيق سلسلة من الوصفات احتراماً لعدد من المبادئ، وعلى رأسها «الحكم الديمقراطي» و»دولة القانون». هذا الأمر يجب أن لا يشكِّل دعوة لنا للاستمرار في النظر إلى الديمقراطية كمنتج أجنبي دخيل؛ وإنما كمفهوم وتجربة حضارية إنسانية ملك للبشرية جمعاء.
إذا كانت التجارب الديمقراطية قد دلَّت على أنَّ الديمقراطية لا تسير في تاريخ المجتمعات على نمط واحد مطرد، فيجب أن لا يشكِّل لنا ذلك دعوة لكي نغرق في مصطلح «الخصوصية».
إنَّ الديمقراطية ليست العصا السحرية، وليست الدواء والترياق الشافي الذي ننشده لكافة العلل، كما يراهن عليها بعضهم، كما سبق لبعضهم أن راهنوا على مفاهيم أخرى (كالاشتراكية) لمواجهة التخلّف. ولكن ذلك ليس دعوة إلى العزوف عن الديمقراطية؛ وإنما دعوة لكي ننظر إليها على أنها شرط مسبق ولازم، ولكنه غير كافٍ لنوعية الحكم الذي ننشده. فالحامل الاجتماعي اللازم للديمقراطية يحتاج إلى تعزيز وتقوية المجتمع المدني كحامل اجتماعي يعزِّز الديمقراطية.