الأوروبيون يقعون في شباك الفخ التجسسي الأمريكي

تفاعلت في الأسابيع الأخيرة قضية التجسس الأمريكي حول العالم ولم يكن يتوقع الأوروبيون أن يقعوا في شباك الفخ الذي اعتادت الولايات المتحدة نصبه فالعلاقة الوطيدة والمتينة والمصالح المشتركة بين الأوروبيين والأمريكيين جعلتهم يتناسون التاريخ الحافل للولايات المتحدة بالتجسس ضد الدول والمنظمات والأشخاص واستراتيجيتها في صناعة العدو وتصديره إلى الدول للاستعاضة به عن استخدامها للقوة العسكرية أو مقدمة لاستخدام هذه القوة ويتناسون عدم ثقة الإدارات الأمريكية بشعبها وتجسسها عليهم بذريعة إبقاء العين مفتوحة على الخلايا الإرهابية.
واشتعل الأوربيون غضبا بعد أن صفعتهم صديقتهم الحميمة أمريكا وصدمتهم بفضيحة التجسس لوكالة استخباراتها سي اي يه على سفاراتهم وبعثاتهم في واشنطن ونيويورك ما جعل غالبيتهم خاصة فرنسا وألمانيا يطالبون الولايات المتحدة بتفسيرات حول الوثيقة التي نشرتها صحيفة الغارديان البريطانية الشهر الماضي وسربها لها إدوارد سنودين الموظف السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية عن قيام أجهزة أمريكية خاصة بالتنصت على السفارات والبعثات والمسؤولين الأوروبيين في واشنطن ونيويورك والدخول إلى شبكات الكمبيوتر الخاصة بهم والتي كانت حسب الصحيفة من ضمن الأهداف ال 38 التي تم التجسس عليها.
وكشفت مجلة دير شبيغل الألمانية عن قيام الأجهزة الأمريكية بدس أجهزة تنصت وتجسس في مكاتب الاتحاد الأوروبي في واشنطن يسمح لهذه الأجهزة بالدخول والاطلاع على المناقشات التي تدور في غرف الاتحاد الأوروبي والرسائل الالكترونية والوثائق الداخلية والتنصت على نصف مليار من الاتصالات ورسائل البريد الالكتروني والرسائل النصية في ألمانيا شهريا ما جعل المستشارة الألمانية انجيلا ميركل تطالب بالمكاشفة في فضيحة التجسس الأمريكي وجعل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يستبعد أن تكون الولايات المتحدة قد تجسست على الدبلوماسيين الروس أيضا بعد التقارير التي كشفتها المجلة.
ويتضح أن اتهامات الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة بانتهاكها لكل الأعراف الدبلوماسية والسياسية والأخلاق والمبادئ والقيم لن تلقى أي جدوى خاصة أن إحدى الوثائق المسربة الخاصة بوكالة الأمن القومي الأمريكي تفيد بأن الاتحاد الأوروبي هدف لابد من مراقبة كافة نشاطاته وتهديدات الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بقطع شامل لكافة مستويات الاتصال مع الجانب الأمريكي حول مختلف المواضيع المشتركة لن تقف عائقا أمام طموحات الولايات المتحدة في السيطرة على العالم التي زعمت على لسان متحدث من مكتب مدير المخابرات الوطنية أنها تجمع المعلومات الخارجية من النوع الذي تجمعه كل الدول.
والشيء المثير للاستغراب هو مطالبة فرنسا للولايات المتحدة بتفسيرات عن قيام أجهزتها بالتجسس على سفاراتها وبعثاتها في واشنطن ونيويورك بالتزامن مع ما كشفته صحيفة لوموند الفرنسية عن قيام وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية بالتجسس على الاتصالات الهاتفية لمواطنيها وبريدهم الالكتروني ونشاطاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي قائلة "كل اتصالاتنا يجرى التجسس عليها وأنه لسنوات طويلة يجري تخزين رسائل البريد الإلكتروني والرسائل القصيرة وسجلات الهواتف والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي" في حين لم تصدر وكالة المخابرات الخارجية الفرنسية أي رد على هذه الاتهامات.
وظاهرة التجسس كما قال سنودين ليست مشكلة أمريكية فحسب بل أن بريطانيا لعبت دورا أساسيا فيها معتبرا أن "البريطانيين أسوأ من الأمريكيين" فما يعرف بمكتب الاتصالات الحكومية البريطاني الذي هو أحد هيئات الاستخبارات البريطانية يمتلك برنامجا سريا يقوم من خلاله بالتجسس على الأسلاك المسؤولة عن نقل الاتصالات الهاتفية والانترنت والحصول على كمية ضخمة من معلومات المستخدمين ثم القيام بمشاركة هذه المعلومات مع وكالة الأمن القومي الأمريكي.
وفي هذا الإطار وصفت الوكالة الصينية الرسمية شينخوا الولايات المتحدة بأنها "أكبر نذل في هذا العصر" بسبب الهجمات المعلوماتية التي قدمت نفسها لفترة أنها ضحية بريئة للهجمات الالكترونية بعد أن كشف سنودين في مقابلة نشرتها صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست التي تصدر في هونغ كونغ عن قيام الحكومة الأمريكية باختراق أنظمة شركات الهاتف الخلوي الصينية للتجسس على ملايين الرسائل النصية القصيرة وتأكيده امتلاك أدلة على ما يقوله.
وحتى الشعب الأمريكي لم يسلم من تجسس استخباراته عليه ودخولها مباشرة إلى المعلومات لدى تسع من شركات الانترنت الكبيرة في الولايات المتحدة منها مايكروسوفت وآبل وغوغل وياهو وسكايب وفيسبوك لمراقبة نشاطات الأشخاص المشتركين فيها من خلال برنامج بريزم السري الذي يعد من أخطر وسائل التجسس الإلكتروني التي تم الكشف عنها حسب الغارديان البريطانية وواشنطن بوست الأمريكية.
وتضاف هذه الفضحية الجديدة التي عرى فيها إدوارد سنودين الولايات المتحدة المتشدقة بالحرية والديمقراطية إلى رصيدها المليء بالفضائح وعدم إيمانها بالأعراف الدبلوماسية وبسيادة الدول وبقيمة معاني الصديق أو الحليف إلا بالقدر الذي يؤمن لها مصالحها.
ويتساءل المراقبون إذا كانت الولايات المتحدة تتعامل مع حلفائها بطريقة الخوف وعدم الثقة فكيف هو تعاملها مع الدول العربية التي هي مستباحة ومرتع لوكالات الاستخبارات الأمريكية معتبرين أن كل ما يجري في المنطقة من فتن وصراعات مفتعل من الولايات المتحدة التي لعبت على تناقضاته واختلافاته وكالات التجسس الأمريكية لمصالحها في المنطقة على مدى عشرات السنين.