الأيام "البحرينية" - نصيحتي للاسلاميين

 

إذا أردنا أن نتحدث عن العملية الانتخابية للمجلس النيابي واهميتها في تعزيز جانب الاصلاح السياسي الذي يقود مسيرته جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، يجب ان لا نغفل الحديث عن اهمية تناول معايير المصداقية في طريقة اختيار المرشح، فاي متابع او راصد للانتخابات السابقة 2002/2006 سيجد معيار الحزب الديني وبساطة الناخب هما من قاما بتشكيل مجلسي النواب السابقين، وهذه المسائل وغيرها لا يمكن اعتبارها معايير موضوعية مع وجود اولويات وتحديات جسيمة ومختلفة لا يستطيع ان يحمل اعباءها نواب فاقدوا الاهلية والقدرة السياسية.

ان من الملاحظ على التجمعات الحزبية والجمعيات السياسية انها تفقد اتباعها القدرة على الاختيار الصحيح والمسؤول حين يكون اسيرا لموقف الحزب او الطائفة ومن ثم يسهل حصره داخل ثقافة القطيع او العقل الجمعي للكتلة والذي يجعله لا يحسن الا النظر لما يريده الراعي ..(ويبدو ان الناس حين تجتمع اعداداً وفيرة منهم على رأي او موقف يتولد من ذلك الاجماع قوة اقناعية متبادلة بينهم اي يتحقق ما يسميه المناطقة بـ(الدور)، فتصفيق (س) لفكرة سمعها هو عينه الذي يمنح الشرعية والقناعة والقبول لتصفيق (ص)، ويفعل نحو ذلك تصفيق (ص) في (س)، وهكذا..

وقد كان الاعلام النازي مدركاً لهذا من الجماهير، ومن ثم فان (هتلر) كان يأمر بجمع الاعداد الهائلة من الألمان حين يريد إلقاء خطاب مهم! وخلفاء (هتلر) في هذا مازالوا ملء السهل والجبل – فصول في التفكير الموضوعي/ د. عبدالكريم بكار/ ص256-.

انها الثقافة الجماهيرية التي تفقد الانسان قدرته على الاختيار الانسب القائم على القناعة وحرية الاختيار وعلى هذا نجد ان المولى عز وجل حين يوجهنا لضبط الرؤية والاختيار الامثل فهو ينأى بنا عن الاجواء الجماهيرية واجواء الشحن المؤثرة على الاختيار وتحديد الهدف (قل انما اعظكم بواحدة ان تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة).

الناخب اليوم يقوم بعملية تبسيطية للدور الحقيقي للتمثيل البرلماني حين يذهب في رؤيته الى اختزال المعايير كلها في البحث عن الاكثر تدينا اوصاحب النفس الزكية التطهرية حيث يظل المحور الاهم عنده وهو يبحث عن من يمثله داخل المجلس من هو الاتقى من هو الاورع وهذه احاسيس ومشاعرطبيعية لدى كل مسلم، الا ان الدول لا تبنى من خلال المشاعر والاحاسيس انما من خلال الواقعية، ومما يجب لفت النظر اليه ان العمل للدولة ليس كالعمل للآخرة، الآخرة تحتاج الى الاخلاص والطاعة اما الدنيا والدولة فتحتاج الى الكفاءة، وعمر رضي الله عنه يعزز من هذه الرؤية فيقول ( نستعين بقوة المنافق واثمه عليه) اذ المقصود تحقيق الأعمال على الوجه المطلوب، فلا يولى غير القادر على اداء العمل مهما كان تقيا ورعاً اذ تقواه لنفسه وضعفه على الامة. (تحرير الإنسان وتجريد الطغيان . د. حاكم المطيري .ص459)

وحينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم (انتم اعلم بأمور دنياكم) فقد كان في واقع الأمر يقرر مثل هذا التمايز (ففي قطاع الزراعة بإمكان المرء ان يؤبر النخل اولا، حسب مقدار معرفته العلمية الدنيوية متحررا في بعض جوانبه من المطلقات الأخلاقية والدينية ) (عبد الوهاب المسيري / العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة / ج1).

ان النهضة تحتاج الى تنوع الجهود والقدرات والتخصصات واذا نظرنا الى الدول الناهضة سنجد ان تلك الدول هي التي استوعبت كل الكفاءات بغض النظر عن تعدديات انتماءاتها العقائدية ومما يجب علينا ان نستوعبه اليوم هو اننا نعيش عصرا ايديولوجيا وعصر افكار وثقافات، وبين كل تلك الثقافات والانتماءات تنضوي بداخلها الكثير من الكفاءات والقدرات والتخصصات وسحب هذه الكفاءات نحو الهامش بسبب حسابات اخلاقية اوحزبية اوحتى عقدية دون النظر لحسابات السياسة الشرعية في هذا المجال سيدفع الى قطع الطريق نحو الإصلاح الحقيقي. اننا حين ننظر الى المرشح من خلال رؤية الجمعية وفلسفتها فستكون الكفاءة الشرعية والانتماء للحزب هو معيار المصداقية ولاشك ان هذا يمثل حالة من الاستهتار وعدم اكتراث لحاجة الدولة وماهو مهم وواجب لقيام دولة فتية وقوية، ان ما تمارسه اكثر الجمعيات السياسية ذات الطابع الديني يصطدم مع رؤية وفلسفة اي دولة في تحديد الكفاءة العلمية والتخصص كعنصر اساسي لبناء الدولة ومن ثم تصبح هذه الجمعيات عامل تهميش واضعاف للحاجات الأساسية لقيام دولة تبحث عن اولويات التقدم والتنمية.. قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه السياسة الشرعية ص14: (اجتماع القوة والأمانة في الناس قليل ولذا كان عمر بن الخطاب يقول: اللهم اشكو اليك جلد الفاجر وعجز الثقة! فالواجب في كل ولاية الأصلح بحسبها، فإذا تعين رجلان أحدهما اعظم امانة والآخر اعظم قوة قدم انفعهما لتلك الولاية، وأقلهما ضرراً فيها، فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور فيها، على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينا).

 

الأيام - عصام الشروقي