الأيام "الفلسطينية" - شاهد على القدس

تجاوز عمره السبعين، لكنه ما زال يتابع آخر صرعات الموضة ويرتاد الحفلات الليلية، انه سركيس، أشهر مصففي شعر السيدات في القدس، وشاهد حي على تاريخ غير بعيد كانت تضج به المدينة بالحياة قبل ان تقع ضحية للاحتلال الاسرائيلي وما صاحبه من هموم وتوتر.
يستذكر سركيس دمرجيان، الذي ولد في عائلة مسيحية لأم عربية مقدسية وأب أرمني، بحنين "الايام الذهبية" التي عاشتها مدينة القدس قبل ان تحتلها اسرائيل عام 1967، حيث كانت تقام فيها، وفي رام الله المجاورة، حفلات لمطربين وفنانين عرب.
ويقول: كانت للقدس أيام عز، وكانت نساء المدينة بأجمعها تتبعن صرعات الموضة.
ويضيف: المقدسيون يحبون الحياة والحفلات والموضة والزينة. ولكن كلما حاولوا العيش بوضع طبيعي تتدخل السياسة لتقلب حياتهم رأسا على عقب.
بالاضافة الى شهرته كمصفف شعر ومزين، اشتهر سركيس بين المقدسيين بخفة ظله التي حافظ عليها بالرغم من تقدمه في السن. وهو لا يجد حرجا في صبغ شعره أو ارتداء شعر مستعار أشقر اللون في مدينة تعرف بطابعها المحافظ.
وفي كل حفلة راقصة، تقام في المدينة، يكون سركيس عادة بين اوائل المدعوين، حيث يعرف عنه انه راقص بارع. وهو يحرص على ارتداء اخر صيحات دور الازياء وعلى ملائمة ألوان ما يرتديه، فلا يتردد مثلا في انتعال حذاء ازرق مع سترة زرقاء مزينة بخرز من نفس اللون.
ويحمل صالون سركيس اسم "باري روم (باريس روما)" على اسم المدينتين التي درس فيهما فن تصفيف الشعر والمكياج منذ اكثر من خمسين عاما. ويقول: لم أغير صالوني منذ بدأت العمل به وسأبقى أعمل طالما صحتي جيدة.
ويبرز سركيس داخل الصالون صورة له وهو يقوم بتسريح المغنية اللبنانية طروب والابتسامة تعلو وجهها. وهو يؤكد ان طروب كانت تشير اليه هو بالذات في أغنيتها المعروفة "يا حلاق اعملي غرة".
ويضيف: ربطتنا صداقة جميلة، وكانت ترسل الي تذاكر لحضور حفلاتها في لبنان، فاستقل طيران الشرق الاوسط من مطار القدس الى بيروت.
وحول شغفه بتصفيف الشعر والموضة، يروي سركيس كيف كان منذ سن المراهقة يقص صور قصات الشعر الجديدة وصور عالم الجمال والتجميل وملابس الموضة ويضعها في كتبه المدرسية.
ويعتبر سركيس اول ابناء القدس الذين تخصصوا اكاديميا في علم التجميل. فقد ترك البلاد وهو في سن السابعة عشرة وتوجه إلى روما، حيث درس فن تصفيف الشعر لمدة عامين قبل ان يدرس فن المكياج السينمائي في باريس لسنة اضافية.
ويقول سركيس: عندما عدت الى مدينة القدس كان الزبائن يضطرون لانتظاري في صفوف طويلة، فقد كانت تقام الحفلات الفنية المختلفة في المدينة، وتجري فيها الاستقبالات الاجتماعية والدبلوماسية واعراس تختلف عما نراه الآن.
ويضيف: لم احتج الى الشهرة خارج المدينة، فقد عملت في ايطاليا قبل وصولي الى القدس وصففت شعر ممثلة ايطالية كانت مشهورة تدعى انا ماريا بييرنجلي، وعملت مزينا في السينما الايطالية.
ويقول سركيس الذي يشارك سنويا في مهرجانات لتصفيف الشعر وعروض الازياء في كان الفرنسية وروما: أنا أحب مهنتي، وكرمت من جهات كثيرة، منها السلطة الفلسطينية، واشارك الآن في المهرجانات كحكم.
ويتابع بفخر: لقد تخرج من عندي أكثر من 200 كوافير وكوافيرة في فلسطين على مدى خمسين عاما.
وبالرغم من أن سركيس هجر عام 1948 من بيته من حي "منتفيوري" في القدس الغربية تحت القصف الاسرائيلي، واضطر للخروج منه بملابس النوم، الا انه لا يحب الحديث عن المعاناة مفضلا "الكلام عن حب الحياة ومواجهتها".
ويضيف: لقد تجولت في كل انحاء العالم وشاركت في كل المهرجانات، إلا اني لم أرغب يوما بمغادرة القدس للوصول الى شهرة عالمية لأن حياتي مرتبطة بمدينة القدس، ولأن لها خصوصية، فيكفي ان أمر في شوارع المدينة، وأرى ابتسامة الناس، وأسمع سؤالهم لي "كيف حالك يا سركيس؟"
واختتم سركيس الذي لم يتزوج أبدا "إنني لا أخاف من الوحدة. عائلات المدينة كلهم أصدقائي، وأهل البلد يحبونني، وأنا لم أشعر يوما ما بالوحدة".
الأيام - ماجدة البطش - 18 - 8 - 2010