الأيـام "الفلسطينية" - إسرائيل كدولة "الأزمات الوجودية"!

انهار، أو تزعزع، جزء من الـمجد الفكري ــ العروبي للسيد عزمي بشارة، الخائف على هُويّة الفلسطينيين في إسرائيل من "الأسرلة". لكن، في فيلـم "ميرال"، أي شقائق النعمان ــ الحَنُّون، يسأل ضابط إسرائيلي صديقة ابنته، محبّة الشاب الفلسطيني، من أين أنت؟ من القدس! عربية؟ كلاّ: أنا فلسطينية.
للفلسطينيين توجد أزمة وجود دولانية، لكن للإسرائيليين الأقوياء الـمنهوبين بالشكوك والهواجس أن ينسبوا كل أزمة أمنية، سياسية، أيديولوجية وثقافية إلى أزمة وجود، بما في ذلك مخاطر "نزع الشرعية" عن دولة إسرائيل، لأن معاداة العالـم للسياسة الإسرائيلية إزاء السلام لا أقل من "أزمة وجودية" أخرى.
استناداً إلى خلفية تحويل كل أزمة إسرائيلية إلى "أزمة وجود" يهودية، يمكن أن نرى إلى تصويت معظم حكومة إسرائيلية، هي الأعتى يمينية، على قَسَم الولاء لإسرائيل "يهودية وديمقراطية".
سيكتسب مشروع القرار قوة التشريع بتصويت شبه آلي من الكنيست بالقراءات الثلاث. سيليه، أيضاً، مشروع بقانون لاستفتاء "الشعب الـماكث في صهيون" حول أية تسوية يترتب عليها انسحاب إسرائيلي من الضفة الغربية. لكل شعب أن يقرّر مصيره؟ نعم.. لكن ليس لأي شعب أن يقرّر مصير شعب آخر، بذريعة أن تقرير الـمصير يشكّل "أزمة وجودية" للشعب الأقوى الـموسوس وجودياً، رغم تمتّعه بالدولة الأقوى والأكثر رخاءً، والجيش الأقوى أيضاً.
الدولة الـمشتركة الديمقراطية، التي ينادي بها نفر إسرائيلي وفلسطيني، تشكل تهديداً وجودياً لـ"الدولة اليهودية"، والدولة الفلسطينية الـمستقلة تشكل تحدياً تهديدياً وجودياً للدولة الإسرائيلية ــ اليهودية في نظر الغالبية الإسرائيلية. السلام نفسه مع الـمحيط العربي ــ الإسلامي يهدد بإعادة صياغة إسرائيل، فهو "خطر وجودي" أيضاً!. قرار سخيف من غالبية يمينية في "الليكود"، متحالفة مع فاشية يهودية في حزب ليبرمان، ومتحالفة مع فاشية دينية في "شاس".
العالـم، وكثير من الإسرائيليين، تعشّموا قرارات بن ــ غوريونية أو بيغنية يتخذها رئيس حكومة تحالف "الليكود"، أي البتّ في "خيارات مصيرية" سياسية بالطبع، ومنها إعطاء جواب عن السؤال الأميركي ــ الدولي ــ العربي.
نتنياهو فعل ما لـم يفعله أي من أسلافه الكبار، والتفّ على السؤال الخالد "من هو اليهودي؟" الذي لـم ولن يحسم فيه الحاخامات الإصلاحيون والـمحافظون اليهود، وبدلاً من التهويد الديني الفردي، قرّر تهويداً سياسياً ــ دينياً ــ أيديولوجياً للدولة: يهودية وديمقراطية معاً (أي ثيوقراطية وديمقراطية).
يرى كثير من الـمفكّرين الإسرائيليين أن الصهيونية استنفدت نفسها، وحققت غايتها بإقامة دولة إسرائيل وطناً قومياً لليهود.. لكن، اعتبار الصهيونية الوعاء الأيديولوجي للدولة الإسرائيلية لـم يحل، كما يبدو، هواجس الأزمات الوجودية، أو تفسير كل أزمة على أنها أزمة وجود.
حسب آخر الوثائق عن حرب أكتوبر 73، لـم يعد الجنرال ديان أسطورة في شعبه والعالـم، لكن سنجد بذرة الأزمة الوجودية في خطاب له، قبل حرب حزيران 1967، وفي تأبين قتيل إسرائيلي يدعى "روعي" قال دايان: هنا (في إسرائيل) كان استيطان عربي.. وصار هنا استيطان يهودي. نحن نحوّل بلداً عربياً إلى بلد يهودي.
الواقع أن بروز اسم فلسطين وتعزز الوطنية الفلسطينية يشكل تحدياً سياسياً وأخلاقياً حقيقياً لدولة إسرائيل، لكنه لا يشكل، إلا لأصحاب الوساوس الوجودية، خطراً وجودياً على الدولة الإسرائيلية التي اعترف بها الفلسطينيون والعرب والعالـم حقيقة سياسية.
شكلانياً، قام نتنياهو بخيار يبدو ديمقراطياً: أغلبية حكومية، ستحصل على أغلبية برلـمانية.. لكن الديمقراطية الحقة ليست بالضرورة حكم الغالبية بل في مراعاتها للأقلية.
الأقلية الحكومية الإسرائيلية الـمعارضة لـ "قرار زائد ولا داعي له" ذات وزن ثقيل: أمراء "الليكود" الثلاثة: دان مريدور، وبني بيغن (نجل بيغن) وميخائيل إيتان عارضوا، ومعهم وزراء "العمل" الحائر ــ الخائر. هذه معارضة "صهيونية" في الواقع لهيمنة "اليهودية" على دولة إسرائيل.
إنه مثل قرار ضم الجولان والقدس الشرقية، سيجري امتحانه الحقيقي إذا جرؤت إسرائيل على خيار مفاوضات تُفضي إلى سلام.
ماذا؟ لعلّ السلام تهديد وجودي أيضاً!.
الأيـام - حسن البطل