الإخوان المسلمون والنموذج التركي

 

 

طرحت الأحزاب الإسلامية في المنطقة العربية، ومنها "الإخوان المسلمون"، النموذج التنموي لحزب العدالة والتنمية في تركيا كنموذج مستقبلي مشرق ينتظر الدول العربية، فعملت على تسويق حلم النموذج التركي إعلاميّاً وشعبيّاً. حقيقة، إن من السذاجة تبسيط واختزال التجربة التركية للتسلق على نجاحات حزب العدالة والتنمية التركي كنجاحات لـ"الإخوان المسلمين" في السلطة.

لقد ساهمت علمانية الدولة وتطور التجربة الديمقراطية في بناء مؤسسات الدولة التركية الحديثة، فقد شهدت تجربتها الديمقراطية ثلاثة انقلابات عسكرية عام 1960، وعام 1971، ثم عام 1980وتدخل الجيش لتصحيح مسار الدولة العلمانية، ففي عام 1950 فاز الحزب الديمقراطي بزعامة عدنان مندريس بالأغلبية وكان مندريس قد خاض حملته الانتخابية على أساس وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة، ولم يعلن أنه كان إسلاميّاً أو مؤيداً للإسلاميين، وعلى رغم النجاحات الاقتصادية التي حققها فقد تحرك الجيش التركي في أول انقلاب عسكري وأعدم مندريس وعدداً من وزرائة بتهمة اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.

وفي ظل حساسية العلاقة بين العسكر والسلطة ظهرت الأحزاب الدينية في الثمانينيات متوائمة مع علمانية الدولة فنمت الأحزاب الدينية كأحزاب سياسية بمرجعية إسلامية في إطار مؤسسات الدولة التركية الحديثة مدركة قواعد اللعبة السياسية، فكانت نشأة الأحزاب الدينية جزءاً من التطور السياسي والاجتماعي التركي، فسجلت بدايات النجاحات بصعود حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان إلى الحكم لينتهي بانقلاب أبيض عام 1997، ومن ثم كان وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة في انتخابات عام 2002 مستفيداً من نجاحات وإخفاقات حزب الرفاه. وقد حقق الإسلاميون نجاحات مبهرة في إدارة البلديات بجملة برامج وإنجازات جعلت الماء والكهرباء ووسائل النقل تصل لكل بيت، إضافة إلى تأمين فائض في خزائن البلديات، وهي نجاحات عملية في حل مشكلات معيشية، وليست شعارات تدغدغ المشاعر. ومع النجاح في الانتخابات البرلمانية حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم إصلاحات كبيرة وتمكن من تغيير موازين القوى الداخلية والسيطرة على أغلب مؤسسات الدولة وحقق إنجازات اقتصادية متسارعة، ونجح في أن يحيد المؤسسة العسكرية وأن يطيح بمعارضيه استناداً إلى "شرعية الإنجاز". وغاية القول إن حزب العدالة والتنمية نما وترعرع في التربة العلمانية للدولة التركية كغيره من الأحزاب السياسية، يدرك أهمية الحفاظ على كيان الدولة العلمانية بمؤسساتها القائمة.

أما بالنسبة لتجربة جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر فنشأتها وتطورها كانا في سياق تاريخي وسياسي مختلف تماماً عن سياق حزب العدالة والتنمية في تركيا. فـ"الإخوان المسلمون" في مصر مروا بتاريخ من تأزم العلاقة مع السلطة والإقصاء ونما التنظيم وترعرع في بيئة استبدادية استئصالية، لعب فيها على الدوام دور الضحية، وعلى الدوام كانت ثقافة الاستئصال والإحلال هي المسيطرة على عقلية نخبة "الإخوان المسلمين" على مدار العقود الماضية، فلم تتطور التجربة تطوراً طبيعيّاً، فمن الإقصاء لستين عاماً إلى الأغلبية البرلمانية، فهل سيتمكن "الإخوان المسلمون" من العمل تحت غطاء قانوني ومؤسسي يهدف لبناء مصر الحديثة القائمة على التعددية وقبول الآخر؟ وهل سيعملون ضمن إطار الدولة لتنمية المجتمع أم سيعملون على الانقضاض على مؤسسات الدولة وبناء دولة إيديولوجية؟.

إن الحماس لنجاحات حزب العدالة والتنمية لا يعني بالضرورة نجاحات مماثلة للتيارات الإسلامية في السلطة وعلى رأسها "الإخوان المسلمون"، إذ أن النضج السياسي لحزب العدالة والتنمية يحتاج لظروف موضوعية لم تتهيأ لـ"الإخوان المسلمين" وغيرهم من الأحزاب العربية، والخبرة التركية كانت لها محدداتها وظروفها السياسية والاجتماعية التي ساهمت الثقافة السياسية الديمقراطية في نضجها وصولاً إلى اللحظة الراهنة.