الإعـــلام يُصلب من جديد

باسل عواد. الوطن
تفاوتت مؤخراً حدّة السقوط الحر لمعنى الإعلام في العالم أجمع، إذ يخطئ من يعتقد بأن الإعلام العربي فقط ومنه السوري تحديداً هو صاحب المكانة الأسوأ عالمياً.
وهذا طبعاً يعتمد على معنى كلمة (أسوأ)، فإذا أردنا معرفة معنى الإعلام السيئ يجب كبداية تحديد معنى الإعلام الجيد، وهو ببساطة عكس كل ما نقوم به، إضافة طبعاً إلى عدّة معايير مُعترف بها دولياً ولكنّها غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع، ومنها عدم نشر الوقائع مشوّهة أو منقوصة وعدم اختلاقها والالتزام بتحرّي الدّقة في توثيق المعلومات والأفعال ونسبها إلى مصادر معلومة طبقاً للأصول المهنية السليمة، والالتزام بعدم استخدام وسائل النشر الصحفي في اتهام المواطنين بغير سند، والكثير الكثير من القواعد الملزمة بالأخلاق بمعناها العام، وهي معان وقواعد فضفاضة، أي يمكن التلاعب بها بحسب «شطارة» الإعلامي أو المؤسسة التابع لها أو حتى بحسب قوّة الدولة ومكانتها عالمياً، ما ينفي بالضرورة وجود أي معنى للإعلام الحر أو لميثاق الشرف الصحفي، فمنطقياً عندما توجد القوانين تُلغى الأعذار إلا فيما ندر، وهذا أيضاً عكس ما نراه حاصلاً، فلا القوانين ولا الأخلاق ولا حتى الأعراف والتقاليد قادرة على كبح جماح المطامع الشخصيّة والعالميّة على حدٍّ سواء.
ومن كبوات الإعلام الغربي، أن أميركا على سبيل المثال تمتلك أقوى المؤسسات الإعلامية في العالم، ومع ذلك الشعب الأميركي من أفقر الشعوب وعياً بالأحداث الداخلية والخارجية، هذا إذا غضضنا الطرف طبعاً عن كبوته التي لم يقف بعدها حتى الآن منذ أحداث 11 أيلول والهجمة الإعلامية الشرسة على العالم العربي والإسلامي، رغم الاعتراف من جهات أميركية مثقفة وموثوقة بأن هذه الأحداث مع فكرة الإرهاب العالمي، ملفقة ومكشوفة، ولمن ضحك يوماً على المذيعة الليبية التي صرّحت «بأنّ تبني قرار في الأمم المتحدة ضد ليبيا حرام لكون التبني بالإسلام حراماً»،
من المؤكد أنه بكى عندما صرّحت المذيعة الأميركية الشهيرة آن كولتر بعد هجمات 11 أيلول بالقول متحدثة عن المسلمين طبعاً:
«ينبغي أن نجتاح أوطانهم ونقتل قادتهم، ونفرض عليهم اعتناق المسيحية»!
وبالانتقال إلى الإعلام الأوروبي وسلبيته في التعامل مع الوقائع والأحداث في العالم العربي وخصوصاً المجازر والانتهاكات غير الإنسانية المستخدمة ضدّ الشعب الفلسطيني والشعب العراقي وازدواجية المعايير في نقل الخبر، وهذا طبعاً يأتي من كون إسرائيل تحظى بمكانة خاصّة جداً لدى الأنظمة الممسكة بزمام الإعلام الأوروبي، وحتى في عقر دارهم هم محاصرون، فيكفي مثلاً أن يأتي أحد (كائناً من كان) على ذكر اليهود بالسوء حتى يُتهم بمعاداة السامية ويُحاسب ويُحاكم ويُجرد من حقوقه المدنية، مع غض الطرف هنا أيضاً عن الفضيحة الأخيرة التي طالت قواعد الإعلام البريطاني وهزّت أركانه (مردوخ/سكاي نيوز).
وبالوصول إلى الإعلام العربي المتهالك أصلاً منذ عقود، الذي يُشبه بشكل غريب كل فرد منّا، تأكله رغبة جامحة بفرض آرائه على الجميع، غير المجتمعين بدورهم، فمن المُضحك المُبكي في الوقت نفسه أن يعتقد أحدنا بأن أفضل قناتين خرج بهم العالم العربي أجمع وهما الجزيرة والعربية، يسيران على درب الإعلام الحر والحيادية في نقل الخبر، إذ لا يكفي أن تصدح شاشاتهم بأقوال صحيحة حتى تكون سياساتهم صحيحة مثال:
«الرأي والرأي الآخر» في كل العالم إلا في قطر ..
أو «أن تعرف أكثر» عن كل العالم إلا المملكة العربية السعودية،
إضافة إلى اختراقهم لأبسط قواعد الإعلام باعتمادهم على مصادر غير موثوقة ومتخفية أي لا يمكن حتى التعرف إلى صحّة ما تنقل من أخبار، وهذا بحجة عدم قدرتهم على إقحام مراسليهم في قلب الحدث، ليصبح حالهم كالمثل القائل (نكايا بالطهارة.......).
وإذا كان هذا حال أفضل قنوات استطعنا كعرب أن نقدم للعالم، ماذا بقي إذا أن نقول لمن هم صنفوا في عداد النائمين، وصحوا فجأة على صخب أناس يعملون ليل نهار، ويعلنون عن عدائهم وأطماعهم في وضح النهار، فيتلّفت هؤلاء المستيقظون الجدد حولهم مذعورين من هول الفجوة الزمنية التي خلفتهم وراءها والنوم ما زال يداعب أجفانهم، فيرتدون كامل عتادهم الإعلامي ليطلّوا علينا عبر شاشاتنا وأثير إذاعاتنا وصحفنا وهم يحملون على أكتافهم غباراً تراكم لسنين طوال.
لن نعتب على إعلامنا في مثل هذه الظروف الاستثنائية، لكون أفراده هم من هذا المجتمع أيضاً، ولم يتم استيرادهم من الخارج، كما لن نعتب على حكومتنا الجديدة التي أصدرت مؤخراً قوانين من المفترض أن تعيد للإعلام هيبته ومكانته كسلطة حقيقية قادرة على لمّ الشتات وجمع الفرقاء
ولن أقول «ولكن»، فالوطن لن يحتمل أكثر.