الإعلام.. أخطر الأسلحة

يتضمن خطاب اليوم ثلاثة مصطلحات أساسية هي : المعلومة والاتصال ووسيلة الإعلام( أو الاتصال). ومجموع هذه المصطلحات من شأنه تفسير بعض القضايا السياسية وشؤون الاتصالات وإدارة المؤسسات.
ولم يعد خافياً اليوم أنّ الإعلام والاتصال أصبحا ظاهرتين اجتماعيتين ، وتقوم وسائل الإعلام بتنظيمهما في أكثر من منطق ( اقتصادي وتكنولوجي وثالث رمزي ، أي الزعم بخدمة قضية معينة). وبناء عليه فإن الخطاب الإعلامي أصبح اليوم من أخطر أنواع الخطابات بسبب الحاجة الماسة إليه سياسياً واقتصادياً (مالياً) إضافة إلى حاجة العلوم الاجتماعية والإنسانية إليه بهدف التوجيه نحو وعي أعمق وأدق إزاء القضايا المطروحة كلها.
ومع تطور تكنولوجيا المعلومات صار عالمنا( دول وأفراد) مرهوناً بمنتجاتها : بدءاً بالمطبخ ومروراً بالمدرسة والطب والهندسة وانتهاء بالمفاعلات النووية.. الخ.وظاهرة تكنولوجيا المعلومات لم تعد بريئة ومحايدة ، لأنها أصبحت ملازمة لقضايا تستخدمها بل وتلبسها سواء أكانت قضايا سياسية أم اقتصادية أم ثقافية.
ومن ثم نحن أمام تحدّ إعلامي لا سابق له ، وهو كما قلنا تحدٍ سياسي واقتصادي وثقافي في الآن نفسه. وهل نتذكر قول تافت ، أول رئيس للولايات المتحدة : « سيحارب الدولار جنباً إلى جنب مع الجندي وستكون إصابته أكثر دقةً من الطلقة النارية». وأعقب ذلك قيام تحالف عضوي بين المجمعات الاقتصادية الكبرى وصار يعرف باسم « اللوبي الصناعي-العسكري» الذي لايزال يعمل حتى هذه الساعة بكل طاقته من أجل خدمة أهداف المؤسسات الصناعية والثقافية والعسكرية التي تصب كلها في نهاية المطاف في خدمة الأهداف السياسية. ومن هنا وصفه المستعمرون بما يسمى « سياسة العزل الثقافي والاقتصادي»، أي عزل بلدانهم عن البلدان الأخرى التي ينوون الهيمنة عليها. ولتحقيق هذا الهدف ، كان لا بد من وضع « آلة إعلامية « هائلة تعود ملكيتها إلى أكبر الشركات ،من أجل تحقيق هدفين رئيسين : أولاً- تضليل الرأي العام الداخلي وبعده الرأي العام الدولي من خلال زرع الوهم في أذهان المواطنين بأن كل ما يأتي من الخارج يشكل خطراً عليهم, وعليهم محاربته بشتى الوسائل من خلال مساندة الحكام والسلطة السياسية، فظهرت سينما التخويف والإرهاب (وهنا لعبت هوليوود دوراً أساسياً في هذا الميدان)، وشبكات التلفزة ومحطات الإذاعة ، ولا سيما تلك التابعة لقيادة الجيش ( يقال إن أضخم شبكات التلفزة والإذاعة تخضع لإشراف موحد هو البيت الأبيض من خلال مجلس إعلامي يفرض السياسة الإعلامية العامة والخاصة).
بعد التضليل الداخلي يقوم الإعلام بالتضليل الخارجي من خلال تحويل العالم إلى سوق استهلاكية وإشاعة نمط معين من الحياة هو النمط الأمريكي الذي يتلخص في : إثارة الغرائز وتصنيع السلوك والتفكير وحب التملك وزرع الأوهام الأسطورية حول القدرات الأمريكية التي لاتقهر، وإنها الوحيدة القادرة على تخليص العالم من الكوارث والجوع.. الخ ، وبطبيعة الحال ستكون أدوات الإنقاذ هي الشركات والمنتجات الأمريكية. ولكن قبل هذا لا بد من تدمير الثقافات الأخرى بما تنطوي عليه من تاريخ وخصوصيات ( ألا يقول الأمريكيون : نحن شعب بلا تاريخ ، لكننا نصنع التاريخ؟.).
إذا كانت هذه هي بشكل ملخص ومكثف السياسة الإعلامية التي تواجه مجتمعاتنا ، فكيف نتعامل معها، أو كيف كان تعاملنا معها؟
من المؤسف أن بعض إعلامنا العربي قد أخذ من ذلك الإعلام شكله ووضع فيه مضامين لا تخدم المواطن العربي ، بل جاء وكأنه ملحق بذلك الإعلام بقصد منه أو من دون قصد, فلا ترى فيه سوى ردود الأفعال والانفعالات واللغو غير المقنع ، بل وحتى البذاءة ، واحتقار عقول المواطنين ، والأهم من هذا كله الغباء حتى في تصنيع الكذب.