الاجواء الامريكية قبل المناظرة الثانية

تبرز كل المؤشرات الحسابية لخريطة الانتخابات الاميركية أهمية المناظرة الثانية اليوم، حيث يحتاج الرئيس باراك أوباما الى أداء قوي ومتماسك، لوقف زحف منافسه الجمهوري ميت رومني الذي تمكن خلال فترة قصيرة من إحداث تغيير في دينامية السباق الرئاسي. 
وبات واضحاً أن العنصر الأهمّ في هذه المؤشرات الحسابية، لا يكمن في استطلاعات الرأي على المستوى الوطني، بل يتخطّاها ليصل الى العدد التراكمي للولايات التي يحصدها كل مرشح ليلة الانتخابات في 6 تشرين الثاني المقبل. والرقم السحري هو 270 صوتا انتخابيا أو النصف زائداً واحداً من أصل 538 صوتا، وكل ولاية لها مجموع أصوات انتخابية بحسب تعداد سكانها. واذا جرت هذه الانتخابات اليوم، يضمن أوباما تفوقه بـ201 صوت انتخابيا مقابل 191 صوتا لرومني، أي أن النزاع الانتخابي سيتمحور حول 146 صوتا انتخابيا. 
وقبل أسبوعين ونصف فقط، كان أوباما متقدماً في التوقعات بـ265 صوتاً مقابل 191 لرومني، وكانت المناظرة الأولى مفتاح التحول الأساسي، وبالتالي تكتسب المناظرة الثانية أهمية لأوباما لوقف النزيف في استطلاعات الرأي. 
حتى أن ولاية اوهايو التي كانت شبه محسومة للرئيس الحالي أصبحت في دائرة التنافس، مع 10 ولايات محورية هي فيرجينيا وفلوريدا وايوا وكولورادو ونيفادا وميتشيغن ونيو هامبشير وكارولاينا الشمالية وبنسلفانيا وويسكونسن. 
ومعروف أن أي مرشح جمهوري لم يصل الى البيت الابيض من دون ان يحصد ولاية اوهايو، وبالتالي بدأ رومني مؤخرا زيادة تركيزه على هذه الولاية التي تشكل 18 صوتا انتخابيا. في المقابل، إذا ضمن أوباما الفوز في اوهايو، فسيصعّب طريق الفوز حسابياً على رومني. وميزة اوباما أنه يملك ماكينة انتخابية قوية في اوهايو، أرستها حملته منذ العام 2008 وكرّسها وجود 96 مكتبا ميدانيا لإجراء الاتصالات مع الناخبين وزيارتهم في منازلهم، مقابل 36 مكتباً ميدانياً لرومني. 
ستُجبر حمأة المعركة في أوهايو حملة أوباما على إيفاد كل من الرئيس الاسبق بيل كلينتون ومغني الروك الشهير بروس سبرينغستين الى الولاية هذا الأسبوع، لتحفيز الناخبين على الإدلاء بأصواتهم في مهرجانات انتخابية. وبعد الانتهاء من المناظرة، يزور أوباما مجددا كلاً من اوهايو وايوا في سياق التركيز على الولايات المحورية. 
وبحسب المعدل العام لاستطلاعات الرأي على موقع «ريل كلير بوليتيكس»، يتقدم رومني على المستوى الوطني 47.3 بالمئة مقابل 45.9 بالمئة لأوباما. وبيّن استطلاع مشترك بين صحيفة «واشنطن بوست» وقناة «اي بي سي» أن الحماسة بين مؤيدي رومني ارتفع من 52 الى 62 بالمئة، ما يجعل من رومني ضيفاً على المناظرة الثانية، بعقلية مختلفة قد تتطلب استراتيجية مغايرة عن مناظرة 3 تشرين الاول الماضي، أي انه لا يحتاج الى انتقاد أوباما بحدة كبيرة، لكنه يحتاج الى المحافظة على مستوى التوقعات في أدائه وعدم العودة الى تكرار هفوات سابقة. 
في المقابل، يشتد الضغط على الرئيس الاميركي، الذي سيكون على الأرجح مستعدا للإجهاز أو الرد على برنامج رومني وأسلوبه وانتقاداته ومسيرته، لتحفيز القاعدة الليبرالية واستمالة الناخبين المستقلين مجددا. وكان رومني قد ركز في تدريبه قبل مناظرة اليوم، على الأسلوب أي التعامل مع الناخبين والحركة على المسرح، مقابل تركيز أوباما أكثر على مضمون انتقاداته لمنافسه الجمهوري، بدون أن يظهر أنه يحاول جاهدا تعويض أدائه الضعيف في المرة الأخيرة. 
وتوقعت المتحدثة باسم حملة أوباما جين بساكي، في هذا السياق، أن يكون أوباما «حازما لكن متسما بالاحترام في تصحيح الأوضاع». 
وما يساعد أوباما في المناظرة الثانية مساء اليوم في هيمبستاد في ولاية نيويورك، هو بروز التفاعل مع الناخبين الذين سيسمح لهم بطرح الأسئلة على المرشحين، وهو إطار اعتاد عليه أوباما أكثر من رومني. 
وكشفت مجلة «تايم» عن مذكرة تفاهم وقعها كل من حملتي أوباما ورومني تقضي بتحديد دور مديرة المناظرة الإعلامية في شبكة «سي ان ان» كاندي كراولي، بطريقة لا تسمح لها بطرح أسئلة متابعة. لكن كراولي اعتبرت أنها غير ملزمة بهذه المذكرة، وهي لمّحت علنا الى أنها تتجه الى قيامها بتدخل محدود في المناظرة. 
عامل جديد ايضا دخل على مسار الحملات الانتخابية، وهو السياسة الخارجية حيث تجد حملة أوباما نفسها في موقع دفاعي تجاه حملة رومني، التي بدأت توسع للمرة الأولى مروحة انتقاداتها الى قضايا مثل الاعتداء على السفارة الاميركية في بنغازي، أو عدم طرح إدارة أوباما قضية تلاعب الصين بعملتها. ويبدو في هذا السياق أن حملة رومني تدير مؤخرا مضمون الاشتباك السياسي العلني، في وقت فشلت فيه حملة أوباما في فرض قضايا أخرى على النقاش مثل قضايا الإجهاض والهجرة حيث تبقى الافضلية للرئيس الحالي.