الاحتلال هو السبب الرئيسي في مشاكل إسرائيل الاقتصادية

في يوم السبت الماضي خرج عشرات الالاف من الاسرائيليين الى شوارع تل ابيب للاحتجاج على الغلاء في اجور البيوت واسعار الطعام والبنزين وغيرها من السلع الاساسية. بعض اللافتات التي حملها المتظاهرون شبهت ما بين نتنياهو وبعض الرؤساء العرب امثال حسني مبارك وبشار الاسد ودعته الى الاستقالة من منصبه مما حمل البعض على التساؤل ان كانت الثورات العربية قد وصلت الى المجتمع الاسرائيلي ايضا.
قبل عشرة ايام قام الكاتب الاسرائيلي حانوخ داوم بكتابة مقال لموقع «واي نت» الاسرائيلي شرح فيها ما سماه في حينه اسباب نجاح رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو. واعتبر داوم ان اسرائيل تعيش في افضل ايامها واستدل بذلك على قلة البطالة في اسرائيل حيث وصلت الى ادنى مستوى منذ اكثر من عشرين عاما. كما ذكر زيادة عدد السواح القادمين الى الارض المقدسة حيث وصل عددهم الى اكبر عدد منذ بداية الانتفاضة الثانية. ولكن الاهم بحسب رأي داوم أن نتنياهو استطاع منع العمليات الفلسطينية وحماية اسرائيل بشكل ممتاز ليس له سابق في السنوات السابقة.
إلا أن حانوخ داوم مخطئ. فلو انتظر داوم يومين لما قام بنشر مقاله المذكور، لان العديد من الاسرائيليين لا يرون أن اسرائيل تعيش في عصرها الذهبي الذي وصفه داوم. فبداية الاحتجاجات ضد نتنياهو ازدادت بسرعة لم تكن متوقعة في الايام السابقة. فمن جهة امتلأت الحدائق والميادين الاسرائيلية بما يسمى الان بمدن الخيم التي اقيمت احتجاجا على اسعار البيوت في المدن الاسرائيلية. ومن جهة اخرى بدأ الاطباء بالاضراب عن العمل والتظاهر بسبب اوضاع عملهم المزرية، كما أن المعلمين ككل عام يحتجون على معاشاتهم التي تتقلص يوما بعد يوم. إضافة الى اسعار السلع الاساسية التي تزداد بشكل يجعل العديد غير قادرين على شرائها.
عندما اقيمت دولة اسرائيل وعد مقيموها على بناء اطار اجتماعي يضمن توفير الخدمات الاساسية لسكانها. إلا أن اسرائيل حاليا هي دولة يزداد الاغنياء فيها غنى ويزداد الفقراء فقرا. فسبع وخمسون بالمئة من الفقراء في اسرائيل هم فقراء عاملون ومعاشاتهم لا تكفي لسد احتياجاتهم.
من الصحيح إن معدل الانتاج المحلي في اسرائيل هو من الاعلى في العالم حاليا وان البطالة قد تدنت بشكل ملحوظ ولكن هذا لا يعني الكثير. فالصين على سبيل المثال تعتبر الان ثاني اكبر اقتصاد في العالم إلا انها دولة يحكمها دكتاتور وتمتلىء بالفقراء.
لكن أكثر ما يدهشني عند ملاحظة تلك المشاكل الداخلية في اسرائيل هو عدم قدرة الاسرائيليين على رؤية الروابط بين مشاكلهم الداخلية والاحتلال. فبينما تصر اسرائيل على بناء العديد من المستوطنات الجديدة، تعاني جميع المدن الاسرائيلية نقصا حادا في المساكن. فالحكومة الاسرائيلية تفضل البناء في الضفة الغربية بدلا من تل ابيب. إن سكان المدن الاسرائيلية يدفعون ثمن تركيز الحكومات الاسرائيلية على تحسين وضع المعيشة في المستوطنات دون الاهتمام بمستوى المعيشة في المناطق الاخرى.
وحسب تقرير مؤسسة السلام الان الصادر في الاسبوع الماضي فان الحكومة الاسرائيلية تقوم ببيع الاراضي المصادرة في الضفة الغربية من أجل بناء المستوطنات بواحد وثلاثين بالمئة فقط من السعر المخمن لها. كما أن الحكومة الاسرائيلية تقوم بدفع خمسين بالمئة من فاتورة البناء والتطوير في المستوطنات. ولكن ربما ما يجب أن يغضب الشباب الاسرائيلي في تل ابيب و حيفا وغيرها هو أن الحكومة الاسرائيلية قامت باستخدام اكثر من خمسة عشر بالمئة من ميزانية بناء المساكن الشعبية لعام ٢٠٠٩ في بناء منازل جديدة في مستوطنات الضفة الغربية (باستثناء مستوطنات القدس الشرقية) التي يقطنها ما يقارب ٤ بالمئة من سكان اسرائيل.
إن الشعب الاسرائيلي يقوم بدفع ثمن تركيز الحكومة الاسرائيلية الحالية على استمرار الاحتلال. فالمعاناة من الاحتلال ليست محصورة على الفلسطينيين فقط ولكنهم يدفعون ثمنه بشكل مباشر. إن الاحتلال عبء ثقيل على الاسرائيليين ايضا ولكن أكثرهم لا يدركون مدى تأثيره على حياتهم اليومية. ومع ذلك فمن الغريب ان معظم الاسرائيليين لا يرون تأثير الاحتلال على مستوى معيشتهم. ربما يكون بعض الاسرائيليين كالنعام يفضلون ان يدفنوا رؤوسهم في الرمل من أجل تجاهل حقيقة الامر الواقع. إلا أن تجاهل تأثير ما تقوم به الحكومة الحالية من انهاء النظام الاقتصادي الاجتماعي من جهة وقيام الكنيست باصدار قوانين عنصرية من جهة اخرى سيدمر الطبقة الوسطى في اسرائيل.
إذا اراد الاسرائيليون تغيير الوضع الحالي فمن المهم بان يتوقفوا عن التصويت في الانتخابات لمن يعدهم بالامن فقط ويخيفهم من حرية الفلسطينيين، والا فانهم قد يعيشون في وهم الدولة الامنة ولكن بعد أن يفقدوا جميع الاسس الاجتماعية والاخلاقية. ربما لا يدرك الاسرائيليون حتى الان بان الصراع الحالي في اسرائيل ليس من أجل تخفيض اسعار البيوت او الطعام فقط ولكنه في نهاية الامر سيكون بين من يريد دولة ديمقراطية تقوم على اسس اجتماعية واخلاقية وبين من يرى بالصين واشكالها من الحكومات الدكتاتورية مثالا يقتدى به.
عزيز ابو سارة - القدس