الاعتداءات المؤسفة ضد المسيحيين فتنة يجب وأدها في مهدها!..

 

لم يكن التفجير الذي وقع ليلة أمس الاول امام احدى الكنائس بمدينة الاسكندرية وأدى الى مقتل سبعة مواطنين وجرح أكثر من عشرين بالحدث الجديد على الساحة المصرية بل جاء في سياق سلسلة من الاعتداءات التي يتعرض لها المسيحيون في مصر والعراق على وجه التحديد والتي يجب ان تضيء ضوءاً احمر امام الجميع لما لمثل هذه الاعتداءات من انعكاسات سلبية على النسيج الاجتماعي العربي الذي استطاع وعلى مدى قرون طويلة ان يجسد روح الاخاء والتعايش بين المسلمين والمسيحيين في شتى الديار العربية.

فعلى صعيد مصر كان العام الماضي 2010 عاماً زاخراً بالاحداث التي استهلت باطلاق النار من سيارة مسرعة على جمع من المصلين المسيحيين الذين غادروا للتو كنيستهم بعد اداء صلاة عشية رأس السنة القبطية في السادس من كانون الثاني 2010 مما أدى الى سقوط سبعة قتلى بينهم ستة مصلين مسيحيين وشرطي مسلم كان مكلفاً بالحراسة.

وقد استمرت المناكفات والمشاحنات التي بسبب استمرار محاكمة الذين اطلقوا النار على المصلين طيلة العام ولم يصدر قرار بحقهم بعد، الامر الذي دفع بعائلات الضحايا للتظاهر مطالبين بتحقيق العدالة.

وزاد من حدة التوتر الخلاف حول احقية المحكمة الادارية بالتدخل في الاحوال الشخصية للمسيحيين من زواج وطلاق، وكذلك ما اشيع عن اختفاء سيدة مسيحية قيل انها اعتنقت الاسلام واختفت بعد ان اعادتها الشرطة للكنيسة، وهي الحالة الثانية من هذا القبيل.

ويبدو ان المسيحيين الاقباط من جانبهم قد أسهموا ايضاً في استمرار هذا التوتر بسبب المشاحنات المستمرة والاحتجاجات والقيام قبل شهور بتحويل مبنى سكني في منطقة العمرانية بالجيزة الى كنيسة خلافاً لرخصة البناء التي تم اصدارها من الجهات المختصة التي تدخلت لمنع تغيير استخدام البناء لغرض غير الذي أقيم من أجله مما أدى الى مواجهات واعتقالات.

فالاجواء في مصر متوترة من الصعيد حتى الاسكندرية وتشهد احتقاناً لدى المسيحيين الاقباط وعلى رأسهم الانبا شنودة المعروف بوطنيته ومناصرته لحقوق الشعب الفلسطيني ورفضه السماح لأي من ابناء طائفته بزيارة القدس طالما أنها ترزح تحت وطأة الاحتلال الاسرائيلي.

وتأتي احداث ليلة رأس السنة الحالية الدامية لتزيد من عمق المأساة وتدق الجرس عالياً بأن على المسؤولين في مصر ان يكبحوا جماح هذا التطرف والاعتداءات على المسيحيين لكي لا تلحق المزيد من الضرر والأذى بالوطن والمواطن المصري الذي يرفض في مجمله هذه الاعتداءات والذي لا يرى فرقاً بين مواطن مسلم او مسيحي من ابناء مصر الكنانة.

واذا كان هذا هو الحال في مصر فإن الحال في العراق ادهى وأمر، فبينما كان عدد المسيحيين في العراق اكثر من مليون مواطن عام 2003 تضاءل عددهم اليوم الى أقل من نصف مليون جراء الحرب وما جرته من ويلات على الشعب العراقي من مسلمين ومسيحيين بشكل عام.اما على الصعيد المسيحي فمنذ عام ٢٠٠٤ تعرضت ٥٢ كنيسة وديرا للهجمات كما لقي اكثرمن الف مسيحي مصرعهم.

وقد شهدت الآونة الاخيرة المزيد من الهجمات ضد الكنائس وبيوت المسيحيين كان اكبرها التفجير الذي وقع في الحادي والثلاثين من تشرين اول الماضي امام كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك في منطقة الكرادة ومقتل ٤٤ مصليا وكاهنين، ناهيك عن الهجمات المتكررة ضد بيوت المسيحيين التي اسفرت عن مقتل ستة اشخاص وجرح العشرات.

وقد ادت هذه الحالة الى هروب الكثير من مسيحيي بغداد امام الى الخارج كلبنان وفرنسا واما الى الشمال حيث المنطقة الكردية.

لقد ابدت السلطة الفلسطينية ومنذ قيامها بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات حساسية مفرطة ازاء الاشقاء المسيحيين وضرورة الحفاظ عليهم وضمان تمثيلهم في مؤسسات السلطة واستمر هذا النهج في ظل القيادة الحالية للرئيس عباس، وعلى مستوى يجب الاقتداء به في الاقطار العربية الاخرى.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو من الذي يقف وراء اذكاء نار الفتنة بين المسيحيين والمسلمين في مصر والعراق وربما بلدان عربية اخرى قد تلحق بالركب، ولماذا في هذا الوقت بالذات، وهل الذين يقفون وراء هذه الهجمات يمثلون الاسلام الحقيقي الذي ندين به والذي يرفض قتل النفس البريئة ويضع من قتل نفسا واحدة بمثابة من قتل الناس جميعا ومن احياها فقد احيا الناس جميعا.

لقد كان المسيحيون في فلسطين وما زالوا جزءا اساسيا من الحركة الوطنية الفلسطينية اسهموا في النضال الوطني ضد الاحتلال فسقط البعض على درب النضال وذاق البعض الاخر مرارة السجن والاعتقال وما زالوا على العهد ماضين.

الاعتداءات المؤسفة التي يتعرض لها المسيحيون هي مسؤولية كل مسلم وعربي يؤمن بالله واليوم الآخر ويرفض الظلم ويقبل بالحوار بالحكمة والموعظة الحسنة، ويدرك عمق اللحمة بين المسلمين والمسيحيين في هذه البلاد، تلك اللحمة التي جعلت مسيحيو المشرق يقاتلون الى جانب اخوانهم المسلمين ضد الغزو الصليبي الذي جاء من الغرب.

مسيحيو المشرق هم جزء اساسي منه وهم جزء لا يتجزأ من الشعوب العربية ترعرعت ثقافتهم على هامش الاسلام واصبحت جزءا من ثقافته وحضارته.

الفتنة الطائفية ترفع رأسها وتنذر بالخطر المحدق بنا مسلمين ومسيحيين على حد سواء. وعلينا ان نتكاتف جميعا لوأد هذه الفتنة في مهدها. وعلى الانظمة الحاكمة في العالم العربي ان تتخذ اشد الاجراءات صرامة ضد كل من تسول له نفسه العبث بالنسيج الاجتماعي الاسلامي - المسيحي، وان تكفل تحقيق العدل والامن للمسلمين والمسيحيين على حد سواء.

وعلى كل المرجعيات الدينية وفي مقدمتها الائمة والوعاظ ورجال الدين مسلمين ومسيحيين ان يتصدوا لكل اولئك الذين يستغلون الدين لاثارة الفتنة، وعلينا جميعا مسلمين ومسيحيين ان نتكاتف للحفاظ على روح الاخاء التي ارستها العهدة العمرية والتي كانت الاساس الذي قامت عليه هذه العلاقة منذ فجر الاسلام.

 

زياد ابو زياد - القدس