الاقتصاد في التفاؤل

عدنان عبدالرزاق - سيريا اوول
لا أذكر، في كل ما أتذكر، من منطلق الضرورة ومن مبدأ النسبة والتناسب، أني رأيت الحكومة السورية مبتعدة عن دورها التدخلي والأبوي، كما أراها الآن، اللهم عدا تصريح لسرقة ضوء هنا أو اجتماع لرمي التبعات والأسباب على الآخر هناك، وغرق في مالا طاقة وعلاقة لها به معظم الأحايين، فالحكي في السياسة من غير أهلها وركوب أسباب ونتائج الأزمة وآثار الحصار والاستهداف، هي الحالة العامة والقاسم شبه المشترك لحكومة أريد منها أن تكون حكومة أزمة تتعاطى أثناء الحرب، باقتصاد حرب، لازيادة ولا حتى نقصان .
ثمة شواذ دونما شك، بل بلاء حسن من البعض، كان له ولتنوع الاقتصاد السوري ولقرشنا الأبيض وحنكة المواطن في إدارة الاقتصاد ولبعض ما تبقى من رحمة وتآلف، السبب المهم في بقاء الدكاكين مفتوحة والمواطن يأكل والسيرفيس يمشي والمكنة تدور.
بداية القول: لو أن الذي عصف بالاقتصاد السوري منذ عام حتى الآن، مرّ على اقتصاد دولة عظمى، لخرّت تحت وطأة الإنفاق المتزايد وقلّة الموارد، بعد أن تبدت مفاعيل الحصار والعقوبات التي أوجعت الميزان التجاري وأخلّت ببنية السوق، وما تأتى عنها، مضاف لها تخريب البنى والذهنيات وحتى الهمم، وما تمخض عنها، وهكذا في متوالية مرسوم لها التعاظم مع مرور الزمن، وصلت بصنّاع القرار على اختلافهم للحيرة والتخبط ، وأوصلت الدولار يوماً إلى مئة ليرة وسعر كيلو البندورة التي لا يدخل في إنتاجها أي مكوّن مستورد إلى دولار .
الليرة، كانت هدفاً ومعلناً للدخول إلى بوابة الاقتصاد والنيل منه كبنية وأخص، بعد إغلاق بوابات السياسة والعسكرة في وجه الآخر الذي يريد لسورية وعبر سيناريو معدّ، أن يعيد مشهد العراق وليبيا ويوغسلافيا، وإن بخصوصية سورية، لكن ما لحق بسيادة الليرة من انتهاك، رغم علم حماة سيادتها، كان هو المستغرب، إن جراء قرارات ارتجالية أو تردد في الرد من الداخل أو استهداف عبر سحب العملات الأجنبية من السوق وضخ الليرة إلى حدود إغراقية وتأجيج العامل النفسي نتيجة التخويف من الخارج، ما أتى على مداخيل المواطن التي أكلتها نسبة التضخم وترك- التضخم – ذرائع لمتربصين ياما تشوقوا لزيادة قروشهم السوداء من الأسواق السوداء وعبر شعارات ومواقف رمادية .
على كلّ، بدأت الملامح التدخلية ممّن كان التدخل واجباً عليهم ومنذ أشهر، تتجلى نظرياً خلال اجتماعات، وعملياً على الأرض وفي الأسواق، فمجلس النقد والتسليف الذي دخل عبر شركات ومكاتب الصرافة فلجم من جموح أسعار صرف العملات الأجنبية، وقال للمضاربين أني ههنا، أراح المستهلك نسبياً من ضريبة " فرق العملة " واستعاد لليرة جزءاً كبيراً من هيبتها، وإن كانت العبرة في المنهج والاستمرار، كي لا يعيد التاريخ نفسه وتذهب دولارات المركزي التي ساهمت في توازن وبقاء الاقتصاد السوري على قيد الحياة، إلى جيوب قلة يثار حول وصولها لجيوبهم، جملة من إشارات التعجب والاستفهام .
وكذا لجهة وزارة الاقتصاد والتجارة التي تدخلت فيما أسمته المحاولة الأخيرة عبر"نشرة سعرية ملزمة " بالتشارك مع التنظيمات غير الحكومية، ما يدلل أن الوزارة ستفقد حلمها بعد الآن وستعامل تجار الأزمات على مبدأ "العين بعينين والسن بسنين أو قل أكثر " فأن تضبط آلاف الأطنان من السكر في مخازن تاجر ويتمرد سعره على البورصة العالمية وعلى مبدأ العرض والطلب، ففي ذلك – مثال يسحب على كثير من السلع والسلوكيات – خروج الطرف الآخر، الذي نادى بدوره التشاركي أيام العز والرخاء، عن آداب وقانونية وأصول التعاطي التجاري، فالتعاطي خلال الأزمات قد يجبّ ما قبله، والعكس صحيح .
بيد أن الملفت في تدخل الوزارة الخارج- على ما نعتقد – ولو قليلاً عن اقتصادية الاقتصاد، كان فيه شيء من الانزياح وشبه فوات الأوان في آن، فأن يتم تغييب أسباب قلة المعروض السلعي العائدة أسبابه للحصار والمقاطعة وارتفاع الأسعار بسبب فقدان العملة الوطنية جزءاً كبيراً من قيمتها، والأهم، العزف على وتري الأخلاق والوعيد فقط، دون أخذ أحوال وهواجس التجار بعين الاعتبار، فيه من الرومانسية أكثر ممّا فيه من الواقعية ما يمكن التنبؤ بمحدودية مفاعيله، كلما تمادى العامل الأهم في الأزمة، لأن الرهان على الزمن بعدما تكشفت الأقنعة ووصل التحدي درجة " الله لا يخلينا إذا بنخليك " .
قصارى القول: لا للتخويف ولكن التفاؤل في نتائج ما اتخذته بعض الحكومة أخيراً، بل قد يكون لزاماً أن نقتصر في تفاؤلنا ريثما نرى النتائج على الأرض ولكن ولأنه ليس من متسع وعلى الصعد كافة، لا لتوزيع اللوم ولا حتى الاتهام، إن للتأخر في التدخل أو للاعتماد على أخلاقيات رأس المال أو على رأفة ووطنية المتربصين، لكن الحق الكامل الذي يمنحنا إياه المواطن يملي علينا معرفة الآلية فيما لو.. فيما لو لم يقف المضارب في السوق النقدية، وفيما لو لم ينفد احتياطي الدول الداعمة لضرب الليرة من الليرة، وفيما لو استمر عامل التخويف من اقتناء النقد السوري أو التعامل به...فيما لو كل ذلك وربما غيره، ماذا سيفعل مجلس النقد والتسليف والسيد الحاكم للمحافظة على قيمة الليرة التي لم يرتفع أجر المواطن وفقدت جزءاً مهماً من سعر صرفها .
وأيضاً، فيما لو زاد الأشقاء قبل الغرباء في حصارهم، وفيما لو تناقص العرض السلعي في السوق السورية، وفيما لو لم يستجب التجار لنداءات الوزير، وفيما لو استمرت الأسعار بالارتفاع، وفيما لو غير ذلك، ماهي خطة وزارة الاقتصاد لحماية المستهلك والمحافظة على قدرته الشرائبة سلة غذائه الرئيسية وبقائه على موقفه الذي يقامر على تبدله الآخر وإن عبر دوائه ومعدته .
كل تلك الـ "فيما لو" ولطالما أنها غير فجائية أو قدرية، الحكومة مطالبة ومن منطلق حق المواطن عليها، بإيجاد سيناريوهات حل ومتبدلة، غير تلك الوعظية من قبيل الحلال والمحلل، وأيضاً غير الوعود التي تحول طراوة عود المستهلك إلى جاف يسهل كسره من الذين لم يعد الكسر أو القلع عندهم محرماً.