الايام الفلسطينية- هاكم البديل إن فشلنا هنا... جمل اعتراضية

نعترض نحن مجموع الفصائل ومستقلين وأشخاصاً عديدين كثراً آخرين، على هذ المفاوضات، لأسباب كثيرة، لأنها أولاً لا جدوى منها، أي لا طائل أو فائدة منها، والمفيد فقط هو الجدير باعتباره صالحاً، وغير المفيد هو الطالح. ونرى أن هذه المفاوضات سوف تستخدم كغطاء لبنيامين نتنياهو وصحبه، وهي عمل فاشل، لأن المفاوض الفلسطيني انما يذهب اليها من دون غطاء شعبي فلسطيني، وتالياً من موقف ضعف ولا يملك بدائل اخرى يلوح بها. وهي ثالثاً لا تمثل الشعب الفلسطيني وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية في لحظة سياسية حرجة.
هذه الاعتراضات لها ما يبررها في الواقع، لكن الاكثرية ليست بالضرورة قياساً على الحقيقة، والحقيقة انه يتوجب إظهار هذه المعارضة لكي يمكن أن تدعم هذه الجمل الاعتراضية موقف المفاوض الفلسطيني على الطاولة، هاكم إن الفلسطينيين بغالبيتهم مثقلون بالإحباط من جدوى التفاوض معكم، و17 عاماً من الخض في القربة المثقوبة، ميئوس منه، وان القياس النهائي لأي عمل سياسي من هذا النوع هو تحاشي الفشل.
الجملة الاعتراضية الثانية
لطالما كان النقد في الادب كما السياسة، اسهل من الممارسة. هكذا يمكن لرجال في التاريخ، مثل جورج حبش ونايف حواتمة، وريمون ادة، وحيدر عبد الشافي، أن يظهروا كما لو انهم كانوا على صواب دوماً، وان الاحداث والتاريخ اثبتت صحة مواقفهم، فقد كانت مأثرتهم الاساسية، انهم كانوا نقاداً عظاماً، وهذا صحيح إذا كانت الممارسة السياسية هي سلسلة متواصلة لا نهائية، من الصراع مع الفشل، ومحاولة تحاشي هذا الفشل. لكن انما الرجال الحقيقيون، اللاعبون الفاعلون الاساسيون المحركون للتاريخ، صانعو التغيرات التاريخية، انما هم اولئك الذين في غضون صراعهم مع هذا الفشل، التصدي لعدم اليقين، انما هم الذين وحدهم من يملكون الموهبة السياسية، ويتمكنون اخيراً من قهر المستحيل. هكذا هي الممارسة السياسية، بل الحياة نفسها، من السهل أن نتحدث عنها ونقدم النصح لحل مشكلاتها، لكن من الصعب في كل مرة، امتلاك هذه الوصفة السحرية، للتفوق على المشكلات التي تطرحها. وحيث في كل مرة يجب مواجهة هذا الوضع من تقبل المخاطرة كما لو انها عقوبة الهية.
جملة اعتراضية ثالثة
حسناً، هذه المفاوضات بعيداً عن المصطلحات الكبيرة قد تكون عابثة، وليس امامها سوى الفشل، لمن بالمقابل على التفكير الاستراتيجي الفلسطيني أن يطرح على نفسه السؤال:
1- هل يوجد اقتناع، ايمان حقيقي ان مصير القضية الفلسطينية سوف يتقرر على طاولة المفاوضات، عبر المفاوضات وما هو المفهوم الذي يجب أن يؤطر هذه المفاوضات واستطراداً في السؤال هل نحن مقتنعون جدياً بان جميع موضوعات النزاع سوف تحسم في غضون هذه الجولة من التفاوض خلال سنة؟
2- ما هو موقفنا التكتيكي اقله، من التغيرات الاستراتيجية التي حدثت خلال السنوات الاخيرة، في البيئة المحيطة بالنزاع، وجود باراك اوباما في البيت الابيض التقييم الجديد للاستراتيجية الاميركية في الشرق الاوسط، بعد الحروب الفاشلة، في العراق وافغانستان، كما الانقلاب الاقليمي في توازنات القوى، الدور الفاعل لايران وتركيا وامتداداتهما.
3- إذا كان المفهوم المؤطر للاستراتيجية الفلسطينية سوف يظل هو الحفاظ دوماً على هذا التوازن في السير على قدمين لا قدم واحدة، أي المفاوضة والمقاومة، فهل نصل إلى اتفاق قوامه الحفاظ على هذه المعادلة، والتوصل بالتالي إلى نوع من الصياغة الخلاقة، وحتى الماكرة لصهر ما يبدو تعارضاً بينهما، وبالتالي الكف عن النظر إلى المفاوضة كشر مطلق وللمقاومة كعمل مضاد يتعارض مع المفاوضة.
جملة اعتراضية رابعة
سجال مقابل، مواز لسجال آخر. حوار مقابل حوار. بشكل مباغت ولكن على نحو قوي، يمكن النظر إلى ضربات القسام في الخليل وتالياً في رام الله، بانها احدثت ما يشبه ارتجاجاً قوياً في المشهد. هذه هي الجملة الاعتراضية لـ"حماس" التي تحدث عنها خالد مشعل قبل ايام من بدء المفاوضات.
واختيار المكان كما التوقيت كما الاهداف، والطريقة، كل ذلك لا يخلو من دلالة. فليس من غزة ن ولكن من قلب الضفة، محور الصراع واذا كان الموضوع الرئيس في قصة هذه الجولة الاخيرة من المفاوضات هو الاستيطان فقد كان المستوطنون هم الهدف داخل حدود الـ 1967 وليس في العمق الاسرائيلي وفي التقديرات كموجة جديدة مع افتتاحية تشير اليها.
ولكن استكمالاً للنقاش الذي بدأناه هنا، فإنني أرى انه من الافضل، بل ويجب اخراج هذا التحول، من سياق السجال الفلسطيني الداخلي، على انه عمل موجه ضد السلطة الفلسطينية، أو المفاوضة، ان هذا لا يفيدنا في شيء، ولانه ليس كذلك في جوهره كما انه لا لزوم له، ولا طائل منه، غير مفيد لأحد. إن على الخطاب الاعلامي كما السياسي الفلسطيني أن يرى إلى ذلك، باعتباره نتاجاً طبيعياً للاختلال الحاصل كرد فعل على الاستيطان، وتمادي هذا الاستيطان، الذي لن يكبح بالأخير عبر وسيلة الاقناع بالكلمات.
جملة اعتراضية خامسة
وهنا نصل إلى الجملة الاعتراضية الخامسة. وهي حقيقة فهمنا للمقاومة، كما البديل عن التفاوض، المقاومة باعتبارها حالة جماعية، الموقف الفلسطيني الاجمالي، ما فوق الفصائلية، ولكن الذي يشمل مجموع هذه الفصائل التي هي جزء من اطار اوسع واشمل اسمه العمل الفلسطيني. الحالة الفلسطينية بمجموعها، الحالة الاجماعية الفلسطينية التي كانت عبر التاريخ هي الاطار المقاوم والصانع الحقيقي للتحولات، الثورة الفلسطينية، الانتفاضة الاولى والثانية، كما الصمود الغزي العظيم، فهذه رسالة لاسرائيل اولاً، بانه لا يمكنكم المضي من هنا في استيطان الضفة، وابقاء الاحتلال كما لو انكم تسيرون في نزهة لأنه حتى لو كان الفلسطينيون منقسمين إلى تيارين مختلفين في الاسلوب، الطريقة، فان إنهاء الاحتلال عن حدود 1967 هو الاجماع الفلسطيني، الموقف السياسي الاكبر من "فتح" و"حماس" وعند هذه النقطة، لا يمكنك يا إسرائيل هزيمة الوعي الفلسطيني، كما كسر ارادتهم، باختصار لا يمكنكم بلع الضفة هذه المرة، لان اللقمة تتجاوز حلقكم الضيق.
الأيام الفلسطينية- حسين حجازي 4- 9- 2010