البطريرك اليازجي: نصلي كي تصل سورية إلى السلام والعيش الكريم

أكد البطريرك يوحنا العاشر اليازجي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس على الدور الذي تؤديه الدول كتنظيمات سياسية للمجتمعات الإنسانية في النمو المجتمعي والعلاقات بين الشعوب وما يتطلب ذلك من تجنيد ذوي الإرادة الحسنة للعمل على إحلال السلام في كل بقعة من بقاع الأرض.

وقال البطريرك اليازجي في كلمة له خلال ترؤسه قداسا في كاتدرائية القديس نيقولاوس في بيروت: "نحن كمسيحيين نعمل من أجل المصالحة والتقارب وإحلال الأخوة والعدالة والسلام والحرية من خلال الحوار ولقاء الآخر بالمحبة لأن خدمتنا في العالم هي خدمة المصالحة وكأنطاكيين نعي ألم الجرح الذي يشكله الانقسام القائم بين المؤمنين في جسد المسيح وهذا ما جعل الكنيسة الأنطاكية تشارك بمثابرة في كل مسعى حواري كما نؤكد على مشاركتنا في كل الحوارات التي تجري بين مختلف الكنائس الشرقية والغربية وعلى العمل الدؤوب من أجل إعادة اللحمة بينها".

وأوضح البطريرك اليازجي أن الكنيسة الأنطاكية "متجذرة في هذا الشرق وتنبذ الانغلاق وأنواع التقوقع كافة وتقول بالانفتاح والاشتراك مع اخوتنا في المواطنة بكل الهواجس التي تهم أوطاننا لأن ما يجمعنا كثير".

وشدد البطريرك اليازجي على الشراكة المتأصلة بين المسيحيين والمسلمين في الشرق وقال "لا بد هنا من التأكيد على أن لإخوتنا المسلمين شركائنا في المواطنة موقعا خاصا في قلبنا وفكرنا فعلاقتنا بهم تتخطى مجرد العيش المشترك والمسالم معهم نقتسم كل الهموم التي ترافق نمو أوطاننا وراحة الإنسان فيها وطمأنينته معهم نبني مستقبل أولادنا المشترك ومعهم نجابه الأخطار المحدقة بنا وسنعمل جاهدين على نبذ كل روح فئوية أو ترفعية من شأنها أن تضر بوجودنا على هذه الأرض وتقلل من فرص خدمتنا لها كما سنعمل بإخلاص في سبيل التخلص من جهل بعضنا بعضا عبر تقوية سبل اللقاء البناء طالبين من الله أن ينعم علينا جميعا بروح الألفة التي تجمع لما فيه خير الإنسان في هذه البلاد".

وأضاف البطريرك اليازجي " نعم أيها الأعزاء المسلمون نحن وإياكم شركاء ليس فقط في الأرض والمصير نحن بنينا معا حضارة هذه البلاد ومشتركون في الثقافة والتاريخ لذا يجب علينا أن نحفظ معا هذه التركة الغالية كما أننا شركاء أيضا في عبادة الله الواحد الأحد الإله الحقيقي نور السموات والأرض وستكون أولى الحلقات المجتمعية التي تهمنا مباشرة هي مجتمعنا العربي فنحن هنا أبناء هذا المشرق ومتجذرون فيه منذ مطلع المسيحية ونحن الأنطاكيين جزء مكون لهذا النسيج المشرقي ودورنا فيه لا يقاس بالكم العددي بل بالروحانية التي بها نصوغ مع غيرنا ثقافة دينامية تحمل بصمات هذا الشرق وإرثه الزاخر".

وتوجه البطريرك اليازجي إلى اللبنانيين داعيا إياهم إلى جعل لبنان "فوق الحسابات الصغيرة والخصومات فللبنان منزلة خاصة عندنا نحن الأنطاكيون فهو فسحة حرية ومجال تفاعل وأرض لقاء وانفتاح ووطن لكل مواطنيه على اختلاف انتماءاتهم لا ساحة للنزاعات وسلامه حق له كما استقراره وازدهاره".

وأشار البطريرك اليازجي إلى أن العقود الأخيرة أرخت بثقل المشكلات على الأرثوذكس والمسيحيين وسائر اللبنانيين "فعانوا من انتمائهم الوطني في قدرتهم على إعادة بناء الوحدة المتصدعة بين أبناء الوطن الواحد وفي سعيهم إلى بناء الدولة الواحدة دولة المساواة في المواطنة وقاسوا كغيرهم من اللبنانيين من تراجع في فكرة الدولة والصالح العام ومبدأ المواطنة وتضرروا من إعاقة تحققها وشعروا بالمقابل أن الإحجام عن التصدي الجاد للأزمات المعيشية المتراكمة وللاضطرابات السياسية المتعاقبة يعرض المصير الوطني لمخاطر حقيقية ومواجهة هذه المخاطر شأن روحي وأخلاقي في المقام الأول ومسألة وطنية تتعدى حدود الطوائف".

ودعا البطريرك اليازجي إلى نبذ التعصب الطائفي العقيم والجنوح نحو معالجات فئوية لمشكلات عامة وعدم الاستكانة للأمر الواقع والتنازل عن الحق في المشاركة ومسؤولية المساهمة في تحقيق الخير العام.

وقال البطريرك اليازجي: " لأننا مصرون على تثمير محبتنا للوطن في الخدمة والمشاركة يهمنا أن يعطى أولادنا المجال لتفعيل طاقاتهم في مجتمعهم فلا يستضعفون ولا يهمشون بل تتم الاستفادة من قدراتهم وفق ما تسمح به القوانين على أساس الكفاءة والاستحقاق.. أيها اللبنانيون نحن مدعوون الى أن نصير عظماء بالله وهذا الارتقاء هو ما نقدمه للوطن هدية ونرفعه إلى الله قربانا".

واختتم البطريرك اليازجي كلمته بالدعوة إلى بناء جسور المحبة والصلاة من أجل أن يعود الأمن إلى سورية.. وقال " من هنا من بيروت مدينة المحبة والجذور الأصيلة والإيمان والعلم والعيش المشترك الضاربة قدما في التاريخ أدعو الجميع في أوطاننا المعذبة الى أن نبني جسورا من المحبة وإننا نصلي ونعمل كي يعود السلام والطمأنينة والاستقرار إليها حاملين في قلوبنا شعبنا في لبنان في العراق وفلسطين وسائر بلدان مشرقنا العربي وأخص بالذكر سورية مهد الحضارات وأصلي وأطلب من الله أن يبعد عنها كل مكروه وعنف وخراب ويوصلها إلى السلام والعيش الكريم".