البوصلة الغربية بين طهران ودمشق

د.نبيل السمان - بلدنا
يبدو أنَّ الجدل القائم بين الدولة والمعارضة (من جهة) وأجنحة المعارضة (من جهة أخرى)، حول التدخل العسكري، من الأهمية بمكان، لكنه عقيم بجميع أبعاده؛ إذ تحوَّل إلى وسيلة لتراشق الاتهامات.
ربما يحدث تدخل عسكري لسبب ما، على الرغم من استبعاده، لكنَّ القرار ليس بناء على رغبة دمشق أو المعارضة، بل هو قرار غربي صرف. فوزير الخارجية السوري أكّد، في أكثر من مناسبة، أنَّ التدخل العسكري ليس في الأفق؛ لأنَّ أوروبا وأمريكا مكبّلتان بالديون.

هل ستكون سورية هدفاً عسكرياً أمريكياً؟.. بالطبع لا؛ فليس لها ثروة نفطية بأهمية العراق، كما أنها لا تشترك في حدودها مع دول الخليج النفطية، وبالتالي ليس هناك مصلحة في إنفاق أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.. فالدور السوري لا يشكّل تهديداً للمصالح الأمريكية في المنطقة العربية، وبالتالي لوجود إسرائيل، بالإضافة إلى كون سورية عامل استقرار في المنطقة، ولكن الموقف السوري لا يتعدَّى كونه مصدر إزعاج للسياسة الأمريكية؛ كونها تدور في فلك إيران، فليس للإدارة الأمريكية استراتيجية عسكرية على أقل تقدير في الوقت الراهن؛ فهذه الإدارة ليست في وضع سياسي يسمح لها بذلك؛ كون الانتخابات الأمريكية على الأبواب، وهي لن تكرّر المستنقع العراقي.
السوريون، من جهتهم، يبالغون بأهمية موقع سورية الاستراتيجي؛ فأهميتها لا تتعدَّى للغرب كونها جارة لإسرائيل، وبالتالي الولايات المتحدة لا تريد توظيف إمكاناتها في محاربة دولة هامشية من المنظور الاستراتيجي الأمريكي.. في المقابل، تتصدر إيران أولويات السياسة الأمريكية؛ كونها دولة نفطية ذات كثافة سكانية وتقدُّمٍ تكنولوجي وقوةٍ عسكرية ضاربة تهدّد بإغلاق مضيق هرمز (شريان النفط للغرب)، ومصدر تحدٍّ للدول النفطية الخليجية التي تملك نصف احتياطي النفط العالمي. وبالتالي، التوجه الغربي منصبٌّ نحو إيران؛ فإذا سقطت سقط التابع السوري بكلّ ما يحمله من سياسات لا تُرضي واشنطن، إذ تلوح في الأفق الحالي مواجهة غربية تجاه إيران لإيقاف برنامجها النووي، فلن يسمح الغرب لإيران بتحويل برنامجها السلمي إلى عسكري، وامتلاك إيران التقنية النووية السلمية يمنحها القدرة على تحويله إلى عسكري. وهنا لابدَّ من أن يدرك الجميع أنَّ واشنطن متيقّنة من أنَّ البرنامج النووي الإيراني له الأولوية الأولى للسياسة الإيرانية. وعلى ما يبدو، العام 2012 هو عام الحسم الغربي الإيراني؛ فطبول الحرب تُقرع، فإما أن يحدث توافق أمريكي غربي دبلوماسي يُنهي الجدال حول البرنامج النووي الإيراني، وإما أن يتحوَّل إلى حسم ع سكري.. فالغرب يرى أنَّ الزمن لمصلحة القوة النووية الإيرانية.
إنَّ حلَّ المشكلة النووية الإيرانية، من وجهة النظر الأمريكية، سوف يؤدي إلى توافق أمريكي حول الدور الإيراني في المشرق العربي. وبالتالي، إنَّ أيَّ اتفاق غربي- إيراني، سوف يتضمَّن المسائل المعلّقة، بما فيها الوضع السوري، وتحويل حزب الله إلى حزب سياسي؛ ما يمكّن الإدارة الأمريكية من تحقيق أهدافها في سورية.
إذاً، ليس من داع لمغامرة عسكرية في القريب العاجل؛ فحتى الآن لا تدرك الإدارة الأمريكية كيف تتعامل مع نظام جديد في دمشق لا تعلم ماهيته وهل في مصلحتها تغيير النظام القائم، وترى في الحملة الأمنية مصلحة في القضاء على من أعلنتهم دمشق منشقين سلفيين متشددين؛ إذ يخشى بعض أقطاب الإدارة الأمريكية من أنَّ انهيار النظام سيؤدي إلى وصول إسلاميين متشددين في عدائهم لإسرائيل ولا يمكن معرفة اتجاهاتهم، وإن كانت لا تمانع بإسلاميين معتدلين يقبلون بالتحوّل السلمي للسلطة واللعبة الديمقراطية بمشاركة عناصر بعثية وليبرالية.
وبصرف النظر عن الادعاءات المتبادلة بين الدولة والمعارضة، فإنَّ الصراع لم ينضج من منظور أمريكي؛ إذ لابدَّ من الانتظار بعض الوقت حتى تتبلور الأمور بعض الشيء. فالأحداث السورية قد بدأت بإضعاف التلاحم السوري والغلواء الوطني؛ فالسوريون يتقاتلون تحت مسميات شتى من سلفيين وعصابات مسلحة.. أما الإدارة الأمريكية فتقف موقف المتفرج، وهي ترى النظام يستهلك من رصيده، وربما سورية، حيث بدأت تحدث تغييرات بنيوية في الجسد السوري بصورة تدريجية لم تحدث لقرون خلت. فما يحدث في سورية تحصيل حاصل للغرب، لا يستحقّ التدخل العسكري؛ فالسوريون أعداء أنفسهم، وليس من داع لتدخل عسكري وتشتيت الضربة بين دمشق وطهران، فالجائزة الكبرى هي إيران، وما تبعها لا يتعدَّى الحلوى السورية.