البيان "الاماراتية" - إلغاء التوطين

تطرح قضية التوطين في الكثير من وسائلنا الإعلامية، وبخاصة المكتوبة منها، ولقد شكلت لجان كثيرة وبذل الكثيرون جهداً كبيراً في هذا الخصوص، لكن لم تصل المسألة لما يراد لها من أهداف حتى الآن. فأين الخلل يا ترى؟ |
بودي لو «تتسع صدوركم لمناقشة هذا الأمر من زوايا جديدة، ليس لهدف بعينه، ولكن لطرح بعض الفرضيات التي من الممكن ان ننظر فيها لعلها تساعدنا على حل هذه المشكلة. باديء ذي بدء أقترح ان يعاد النظر في صيغ العمل في كل لجان التوطين، وربما أيضاً نجد ضرورة لأن يلغى بعضها، لأن وجود بعض هذه اللجان يعني، وحتى هذه اللحظة، أننا ننظر لقضية التوطين على أنها مشكلة وتحتاج منا للمناقشة ووضع الحلول. |
وهذا الأمر على صعيد الواقع في نظري، هو ما يعيق عملية التوطين، حيث تصبح هذه اللجان مركزة الكثير من جهودها على الكيفية التي ستتمكن فيها من «تهيئة» المواطنين لسوق العمل، وهنا توضع خطط التدريب وتتم الاستعانة ب«الخبراء» ومن ثم تتعقد قضية التوطين بشكل أكبر وتزداد صيغة «إعداد الشباب المواطن للإنخراط في سوق العمل». |
وهذه واحدة من أخطر الأحابيل التي يضعها «الخبراء» للحيلولة دون دخول المواطنين ميدان العمل، وإن دخلوه يبقى الكثيرون منهم على هامشه، إذ لو كانت المسألة مرتبطة فقط بإمكانات الشباب المواطن، للقيام بالأعمال المناطة بهم، فلماذا تستعين مؤسساتنا بأناس من غير المواطنين ليس، لدى غالبيتهم امكانيات كبيرة ولا متميزة ليشغلوا الوظائف المهمة فيها؟ |
إننا لا ندعى أن أبناء هذا الوطن مهيأون لتغطية كافة الوظائف فيه، فهناك حاجة كبيرة لجهود الوافدين إلينا لتغطية حاجات في المجتمع تتطلب وجودهم، كما ان متطلبات الأعمال لدينا أكبر بكثير من أن تستوعب أعداد المواطنين القليلة. |
ومن هنا يجب أيضاً ان نوضح ان التوطين لا يعني الاستغناء عن الوافدين بشكل عام. وإنما يعني في جوهره، وضع مصلحة الوطن فوق كل المصالح، ولا أعتقد ان المسؤولين يختلفون معنا في هذا الهدف. في المقابل، نحن مدركون أيضاً لأن هناك أعمالاً استجدت بما يتطلب مهارات جديدة يكتسبها أهل هذه البلاد، من أجل العمل في تلك المجالات. |
وهذه المسألة تتطلب بالضرورة ان تكون هناك خطط إعداد لهؤلاء كي يتمكنوا من الاندماج في متطلبات العمل الجديدة، لكن وهذه مسألة يجب ان تكون نصب أعيننا دوماً، لا تنقص أبناء هذا البلد الاستعدادات الذهنية ولا العقلية ولا الكفاءة الفعلية للقيام بأي عمل، إن توفرت لهم بيئة تدمجهم فيه وتعلمهم إياه، ولدينا نماذج متنوعة وفي كافة المجالات تؤكد لنا هذه المسألة. |
النقطة الثانية التي يجب ان نتعامل معها أيضاً، هي الاعتراف بأن الكثيرين ممن جاءوا إلينا وتسلموا الكثير من الوظائف في بلدنا، وبعضها وظائف مهمة وكبيرة الدخل، لم تكن لديهم لا المعرفة ولا الكفاءة الحقيقية للعمل فيها، وإنما أتاحت لهم تلك الوظائف التي استلموها في بلدنا التعلم والتدريب، وأتاحت لهم تعزيز أسطورة عدم كفاءة المواطن للبقاء والاستمرار فيها، مثلما ساعدتهم أيضاً وساطات شخصية كبيرة. |
النقطة الثالثة التي عرفناها من خلال وظائفنا وخبرة حياتنا، ان هناك عملية هي في الغالب غير مرئية بوضوح، ترتبط بوجود بيئات عمل طاردة للمواطنين، وهي تبنى على الكثير من التقاليد التي يكون من الصعب تحديدها في شكل بيئة غير صديقة للمواطن، لكنها تعمل على طرده بأساليب وأدوات غير ملموسة وغير مرئية في الغالب، بعضها يتجلى في تنغيصات صغيرة ومستمرة، وبعضها الآخر وهذا هو المثال الأوضح يكمن في وضع المواطن في وظيفة غير مناسبة له أو تهميشه في العمل. |
ودعنا نأخذ نقطة أخرى بشيء من التفكر والأهمية، ألا وهو إشاعة عدم كفاءة المواطن. والسؤال الذي يجب ان نطرحه على أنفسنا فيها هو، يا ترى لو لم تروج مثل هذه الشائعة، هل سيكون بإمكان الكثير من الوافدين الحصول على وظائف مهمة في بلدنا؟ لا أعتقد ذلك، فلو لم تروج مثل هذه الشائعة ولم تغذ الكثيرين ومنهم بعض متخذي القرار في بلدنا، لما وجدنا وافداً يحتل موقعاً يفترض ان يشغله مواطن. |
إن قضية التوطين لا تعني أننا نطالب بترحيل الوافدين أو التعامل معهم بعنصرية أو بما لا يليق بإنسانيتهم ولا بركائزنا القيمية والأخلاقية، فهم في آخر المطاف بشر مثلنا ولهم حق الحياة الكريمة، مثلما لنا أيضاً، لكننا فقط ننطلق من التعامل مع هذه المسألة من منطلق حق المواطن في أن يلقى المعاملة التي تليق به على أرضه، ومن منطلق . |
أيضاً ربط مثل هذه الأمور بالأمن والأمان المجتمعي، فنحن ندرك ان هذا البلد بني وفي الكثير من مواقعه، بمشاركة الكثير من الوافدين، والكثيرون منهم خدموا فيه وقدموا خبراتهم وسنين طويلة من حياتهم، وكانت لهم إسهامات لا تنسى في الكثير من مجالات حياتنا، ومازلنا نحتفظ لهم بالمعزة والذكرى الطيبة.. |
في المقابل قدم هذا البلد لمن عاش فيه من أهله أو غيرهم أشياء كثيرة، لم تقتصر فقط على أمور مادية، وإنما شملت أيضاً بيئة آمنة ومناخاً غير عدائي وحميم. وهذه أمور يجب أن نضعها أمام أعيننا حتى لا يكون هناك تجاوز، لا من طرفنا ولا من طرف آخر. إن أول الخطوات التي يجب علينا التعامل معها، فيما لو أردنا التوطين حقيقة، هي مرتبطة بتغيير الصورة «الاستعمارية» القديمة عن المواطن. |
وأقول استعمارية، لأن جذورها الحقيقية تقع هناك، في تلك الحقب التي انتشر فيها الاستعمار الغربي، والذي تعامل فيها بدونية مع كل الشعوب التي استوطن أراضيها ونهب من خيراتها. وما زالت تلك الصورة عن الإنسان المستعمر (بفتح الميم)، يعاد تدويرها وتصديرها. |
وللأسف تم تبني مثل هذه الصور، وبخاصة عنا كعرب الجزيرة العربية، من قبل أناس صنفهم الاستعمار على أنهم «الآخر» بكل ما تحمله هذه الكلمة من مضامين، فما كان منهم إلا أن نظروا إلينا على أننا نحن هذا «الآخر» فأصبحنا نحن «آخر الآخر». |
الخطوة الثانية التي يجب علينا اتخاذها هي إيجاد قرارات مركزية في عملية التوطين تنطلق أولاً من توطين الوظائف الإدارية العليا في كافة المؤسسات، بما في ذلك الوظائف المرتبطة بما يسمى بالموارد البشرية، لأنه، ومن واقع تجربتنا في مثل هذا الأمر، عندما يمسك شخص ما من الوافدين الموارد البشرية، نجد تكاثر الجماعة التي ينتمي إليها هو الطاغي. |
وذلك على العكس من المواطنين، حيث نجد لدى غالبيتهم عدم التحيُّز لجنسيات معينة، وإنما تكون عملية التركيز لديهم في الكفاءات المطلوبة، وهذا أمر لمسناه في الكثير من مؤسساتنا. أيضاً عندما ننظر في التوطين يجب أن تكون الاختيارات مدروسة وعميقة، إذ كثيراً ما تفشل هذه المسألة، لأن الاختيار لم يكن مناسباً. |
لقد رأيت بعض ابتسامات بدأ بها بعض قراء هذا المقال بسبب عنوانه، لكنها قد تبددت على ما أعتقد عندما حمل النص مضموناً آخر. فعسى أن يقرأ البعض أسباب حرصي على أمور أجمل مما توقعوا في هذه الحياة. البيان - د. حصة لوتاه - 12 - 8 - 2010
|