التحدي الربيعي للمسلمين

لطالما طرحت الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا مقولتهما في الديموقراطية، معتبرتين أن شرعة حقوق الانسان لا يمكن تطبيقها إلا عندما تتحقق الديموقراطية. وعملياً، كل الديكتاتوريات في العالم تدّعي الديموقراطية حيث الانتخابات الشعبية هي التي تفرز نتائج مذهلة تعطي الرؤساء الديكتاتوريين 99% من أصوات الناخبين.
وعندما أصبح هذا الواقع عبئاً على أصغر العقول في تصديقها نزع الربيع العربي - الاسلامي ورقة التوت الديكتاتورية بإسقاط رؤوسها ورموزها، وأعطى فسحة جديدة للانتخابات الشعبية، التي أفرزت المساحة الكبرى للاسلاميين. ولقد كانت النتائج إسقاط يد الدول الغربية التي لم تعد تستطيع أن تجد حجة في إسقاط شرعية الانتخابات مما دعاها الى التعامل مع الامر الواقع والتسليم به.
المسلمون والاسلاميون يحتاجون بلا شك للتعامل مع الغرب، لأنهم يتعرضون لرياح التعامل الاقتصادي المفتوح، وهم ليسوا بوارد الانغلاق أو التوقع، وبالمقابل، فإن الدول الغربية والآسيوية تحتاج الى المواد الأولية والاسواق الاستهلاكية العربية ـ الاسلامية والاسلامية غير العربية. هذا التعامل يسير على خطين متوازيين لا يلتقيان في المسار، لكنهما يلتقيان في المصير. واذا كانت الدول الاسلامية تريد من السفيرات الاوروبيات أن يضعن وشاحاً قبل تقديم أوراق اعتمادهن، فإن السفيرات مستعدات لوضع الحجاب والبرقع ايضاً اذا لزم الأمر، فالمهم هو أكل العنب لا قتل الناطور. وعنب النفط خمرة الاقتصاد العالمي.
وبالتالي فالعلاقات الجديدة في منطقة شرق المتوسط وقسم كبير من آسيا ستفرض على الاسواق البسملة والوشاح، وهذا لا يغير الغرب لكن الاساس يبقى كما هو، النفط والمواد الأولية في حين ان العالم الاسلامي يجمّع أمواله الفائضة ليشتري المزيد من الاسلحة لمحاربة اسرائيل.
الربيع العربي ـ الاسلامي يزهر اذا غيّر في ذهنيته الفكرية، إنه يحتاج لأن يقايض علاقاته مع الغرب وحتى الشرق الآسيوي بعلاقات مقطوعة مع اسرائيل، لأن أساس معضلته هو في هذا الوجود السرطاني المزروع في صدره.
وهذا لن يتحقق بسهولة إلا اذا خرجت الدول الاسلامية من ذهنية ان اسرائيل هي عدوة العرب والمسلمين الى ذهنية ان اسرائيل هي دولة إرهابية وعنصرية يجب القضاء عليها وتغيير بنيتها. ان أي شعار يرفع في أي بلد عربي وإسلامي أمام الغرب يبيّن ان الصراع ديني بين الاسلام واليهودية سيعطي المزيد من القوة الدفعية للمسيحيين المتصهينين بأن يشحنوا الغرب المسيحي ولو اسماً كي يقفوا ضد الاسلام الذي يتجاوز عدده المليار أمام دولة لا تتجاوز بضعة ملايين من الناس.
ان المؤتمرات حول الحوار المسيحي ـ الاسلامي واعتبار ان الحفاظ على الوجود المسيحي في الشرق هو ورقة المسلمين تجاه الغرب هي ورقة صغيرة وملهاة أمام القضية الكبرى، ولعل الرئيس بري في كلمته الاخيرة أمام المغتربين في مؤتمر «المسلمون والمسيحيون في زمن التحولات الكبرى» أكدّ على ضرورة عدم الانجرار وراء الأحداث الطائفية والمذهبية التي تبعدنا عن المشكلة الاساس والقضية المركزية ألا وهي السرطان الاسرائيلي.
تحجيم المرأة ودورها وإلباسها وتغليفها واعتبارها أساس العلة يشير الى اعتبار ان الانسان العربي والمسلم يعيش هاجس الجنس الذي يتجمع في هذا المخلوق المسمى بالمرأة. وهذا إجحاف وتحجيم للفكر العربي والاسلامي وإعطاء صورة مشوهة عن القدرة العربية والاسلامية على مجابهة عالم العولمة والدخول في نوعية العلاقات الدولية. وعوضاً من ان يكون المطلب العربي ـ الاسلامي هو التزام السفيرات الاجنبيات وضع غطاء الرأس فليكن كشف الحقيقة والسريرة عن أسس علاقات حقوق الانسان التي محكها هي حقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحريتها في استعادة وجودها وعلى رأسها الشعب الفلسطيني والدولة الفلسطينية.
ومن المعيب إغراق نواب الشعب المنتخبين ديموقراطياً في إيجاد الشرائع الذكورية واختراع معجزات الكلام في تطمين الاقليات عوضاً عن وضع التشريعات لعالم ما بعد الحداثة.
الشعوب الاسلامية والعربية التي ارتضت الإسلام حكماً وديناً تعرت اليوم من ديماغوجيتها وأنهت قهرها وصارت على (المكشوف)، وهذا رهان وتحدٍ لتثبت للعالم ان الاسلام قادر لا ان يعطي حلولاً فقهية للتعاملات اليومية بين الناس، بل ان يلعب دوراً أممياً في مجال الاقتصاد والإبداع والفكر، وقادر على ان يصل الى ذهنية الثلث الثاني من العالم المتمثل بالعالم المسيحي ولو اسماً وذهنية الثلث الثالث الآسيوي الذي لا يعني له الدين الكثير.
ان الاسس المشتركة التي يرى المسلمون أنفسهم في تحدٍ أمامها مع الآخرين هو العمل والانتاج وأهم من ذلك إيجاد المؤسسات العلمية لا الدينية والابداعية لا التراثية والتبادلية السلعية لا الحوارية العقائدية التي لا تقرّب السماء بقدر ما تشتت الارض والانسان.