التسوية: رحيل هادئ لحكومة الحريري وسياسة النفس الطويل للقيادة السورية أثمرت نتائجها

رحيل هادئ لحكومة سعد الحريري مع انتهاء إجازة الأعياد، حيث يفترض أن يكون أهل السياسة قد استغل هذه السانحة في اتجاه إعادة ترتيب «أجنداتهم»، تمهيداً لملاقاة الاستحقاقات الداهمة في العام الجديد، فإن الغموض لا يزال يكتنف معالم التسوية التي من شأنها انتشال لبنان من حالة الوقوف المترجرج على حافتي الحرب والسلم، فضلا عن وضع حد للأزمة التي أصابت إدارات الدولة ومؤسساتها، وخاصة مؤسسة مجلس الوزراء، بالشلل التام.

وفيما يعتبر البعض من المتابعين أن هذا الغموض «هو عن سابق تصور وتصميم» سواء من جانب راعيي التسوية اللبنانية، أي سوريا والسعودية، مخافة إفسادها، فإن البعض الآخر يشير إلى أن هذا الغموض متعمد استنادا إلى تجارب سابقة، وذلك من أجل إيجاد الظروف اللبنانية المواتية لتلقف الحل العربي، خاصة أن الجهات اللبنانية المعنية ستكون هي المعنية بالترجمة وفق آليات يصار إلى التوافق عليها تحت مرأى القيادتين السورية والسعودية ومسمعهما وبمواكبة عربية وإقليمية وحتى دولية.

ويرى مصدر عربي متابع لمسار التسوية ـ الحل «أن سياسة النفس الطويل التي انتهجتها القيادة السورية في التعاطي مع ملفات المنطقة ومن ضمنها لبنان بدأت تؤتي ثمارها على غير صعيد، كما أن الإخفاقات الأميركية في المنطقة وانحسار دور ما يسمى «معسكر الاعتدال العربي»، مكنت كلها قيادات عربية أبرزها القيادة السعودية المتمثلة بالعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، من التحرر غير المسبوق من الضغوط، مما أفاد لبنان، إذ أن عدم إيفاء الإدارة الأميركية بتعهداتها لدول الخليج وفي مقدمهم السعودية بشأن الملف العراقي، جعل هذه القيادة غير ملزمة بالإنصات للمطالب الأميركية المتصلة بالملف اللبناني، في ظل توجهات جديدة في السياسة الخارجية الأميركية التي فشلت على مدار سنتين في تحقيق أي إنجاز على صعيد الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أقله تجميد الاستيطان لمعاودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية». 

 ويقول المصدر العربي نفسه «إنه بعد مضي سنتين من عهد الرئيس باراك أوباما، فإن سياسة الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط تستدعي من الجميع التواضع وخفض سقف التوقعات المرجوة وانتهاج سياسة أكثر واقعية لما هو ممكن تحقيقه، فقد نسي الجميع خطابي اسطنبول والقاهرة، وفي الوقت نفسه، تراجعت الوتيرة الحادة في خطابات بعض أهل السياسة الخارجية وحل محلها أسلوب الحوار وإعادة وصل ما انقطع، ويأتي في هذا السياق، عودة السفير الأميركي إلى دمشق روبرت فورد بعد نحو ست سنوات من القطيعة، وهذه العودة الدبلوماسية تهدف إلى أن تكون الإدارة الأميركية قريبة من مسار التسويات الجاري تنفيذها في العراق وتلك التي يشهدها لبنان، علما أن عودة السفير الأميركي إلى دمشق هي جزء من التسوية العراقية، التي رعت بعض تفاهماتها القيادة السورية، من ضمن منظومة تشاور إقليمي كان الإيرانيون في صلبها وكذلك الأتراك، فيما واظب الجانب السوري على إطلاع السعوديين على مجريات هذه التسوية».

ويضيف المصدر «ان ارتداد الإدارة الأميركية إلى معالجة أزماتها الداخلية، خصوصا ان عام 2011 يصادف ذكرى مرور 150 عاماً على بداية الحرب الأهلية الأميركية، بالتزامن مع استمرار الأزمة المالية العالمية، هذا الارتداد نحو الداخل الأميركي سينعكس خارجيا اعتماد سياسة أميركية أكثر واقعية في التعامل مع قضايا المنطقة، ولعل المؤشر الأبرز، في هذا السياق، هو الاجتماع الأميركي ـ الإيراني في الرابع والعشرين من الشهر الجاري في اسطنبول، والذي يعتبر نجاحه أو فشله هو البوصلة لقضايا كثيرة في المنطقة ومنها الاتجاه الذي ستسلكه التسوية ـ الحل في لبنان وأيضاً اتجاهات المحكمة الدولية». ويشير المصدر إلى أن الأجواء الإيرانية استنادا إلى اجتماع جنيف الأخير، تنحو في اتجاه التوصل إلى نتائج ايجابية، خاصة أن الأوروبيين حاولوا التعامل بطريقة فوقية مع الإيرانيين، فكان أن فرضوا هم موعد الاجتماع ومكانه وكذلك موعد الاجتماع الثاني ومكانه وبادروا إلى طرح أسئلة محددة حول الهدف من الاجتماع وهل تحكمه روح التعاون أم روح التهديد، وهل من الممكن الوصول إلى نتائج تضمن التعاون بين الطرفين وما هو موقف المجموعة من السلاح النووي الإسرائيلي الخ...؟ ويوضح المصدر «ان المدخل للتسوية ـ الحل في لبنان سيكون عبر الرحيل الهادئ للحكومة الحالية برئاسة سعد الحريري والتشكيل الأكثر هدوءا للحكومة الجديدة برئاسة الحريري نفسه، حيث لا أكثريات ولا أقليات فيها بل تمثيل شامل وحقيقي لكل القوى السياسية انطلاقا من المبدأ الدستوري الذي ينص على وجوب التضامن الوزاري بحيث لا يكون هناك معارضة وموالاة مؤطرتان وجامدتان داخل هذه الحكومة بل يتشكل الإجماع أو الأكثرية حسب المواضيع المطروحة على جدول الأعمال.. والموالاة الوحيدة هي للثوابت الوطنية.. وكذلك فإن المعارضة الوحيدة، هي لكل ما يتناقض ميثاق العيش المشترك وروح الوحدة الوطنية... وهي ستكون شبيهة بالحكومات التي درج على تشكيلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ تبوئه سدة الرئاسة الثانية في العام 1992».

 

ويتابع المصدر «ان هذه الحكومة عبر تركيبتها وبعد إنجاز التعيينات في المراكز الشاغرة، لا سيما الأمنية منها، ستتولى مواجهة تداعيات القرار الاتهامي في قضية الرئيس رفيق الحريري، وذلك من خلال موقف وطني موحد ومن داخل المؤسسات الدستورية ووفق آليات وقرارات تتخذ داخل الحكومة نفسها، بما يحفظ لبنان من الغليان المتصاعد في المنطقة الذي بدأت تجلياته تظهر في السودان ومصر وشهدنا فصولا سابقة له ومستمرة في فلسطين كما في اليمن والعراق. كما ستتولى هذه الحكومة بالإضافة إلى واجباتها الأساسية في رعاية قضايا الناس، صياغة التفاهمات حول العديد من الأمور الإصلاحية وأبرزها استكمال تنفيذ اتفاق الطائف وإعداد قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس وطني يحفظ المناصفة وصحة التمثيل مع بدء البحث الجدي في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية واستحداث مجلس الشيوخ». ودعا المصدر العربي إلى «الاتعاظ مما حصل في العراق ومما يحصل في السودان ومن آخر الجرائم الإرهابية في مصر، لأن تجنيب لبنان هذا الفوران الإقليمي الدموي يكون باعتماد خطاب داخلي هادئ، وبالتحديد على المرجعيات القيادية، لا سيما الروحية منها، التنبه الى وجوب عدم الاستمرار في اعتماد الخطاب السابق والغوص في الاصطفافات الداخلية، لأن ما كانت ارتداداته محسوبة في السابق قد تخرج عن السيطرة راهناً، بحيث قد يستغل أي طرف ثالث معاد للبنان وصيغته أي موقف تصعيدي للدخول على الخط بعمل إرهابي يؤدي إلى تداعيات خطيرة، إذ لا سبيل إلا بإعادة النظر في الخطاب المعتمد وانتهاج أسلوب جديدة يجمع ولا يفرق ويعلو فوق الاصطفافات ويرقى إلى مستوى الخطاب الوطني الجامع».

 

شام نيوز- السفير