التطرّف.. هل من آفاق؟

 

 

ديانا جبور - بلدنا

 

 

تلقّف الأمريكيون ومندوبوهم الأمميّون فرضيّة أنّ القاعدة مسؤولةٌ عن التفجيرات في سورية، كما لو أنّهم في انتظار هذا النّبأ السعيد بالنسبة إليهم.
لماذا هو سعيد ومُسعِدٌ بالنسبة إلى أعداء سورية، ممّن يخطّطون لتقويض دورها؟ وهل يستقيم هذا الجزم مع تاريخ سورية، ولاسيّما الديني منه؟
 

قبل الإجابة عن السؤال الأول، من الجدير التذكير بحقائق عديدة تؤكّد أنّ أرض الشام حرّرت الأديان والمذاهب من التشدّد الذي يعلق بها، ففي حين كانت الفيلسوفة هيباتيا في القرن الخامس الميلادي، تسحل في شوارع الإسكندرية؛ لأنّها تمسّكت بفكرها النقديّ، كانت الشام تناقش، وعلى مستوى رفيع من العمق والديمقراطية، مسألة نسطورية وناسوتية أو ربوبية السيد المسيح؟

بلاد حوّلت الفتح الإسلامي، أو(أحرى بنا أن نقول) الثورة، إلى دولةِ رخاءٍ ورفاهٍ ودهاء، دشّنها معاوية، رجل الدولة الذي ساعدته دمشق على تظهير كفاءته بطراز رفيع.
 
في الشام ترعرعت وازدهرت مذاهب لم تحتكر طريق الوصول إلى الله، فكانت البلاد أهمّ حواضن الصوفية، وهذه، لمن لا يعرف، تنطلق من أنّ "الطريق إلى الله يتعدّد بتعدّد أنفاس الخلائق"؛ صوفية جعلت من التعبير الفني السامي أحد طرقها لاكتشاف الله.
 
الصحارى تحيط بواحة الشام الخضراء والآمنة، لذلك شكّلت ممراً إجبارياً لقوافل متباينة الأعراق والأهواء والمذاهب، والواحة لا تتدخل في معتقدات العابرين، تحترمهم وتقدّم لهم ما يطلبون، وتشتري ما يعرضون، ما كان يغري البعض بالبقاء، محتفظاً بما كان يحمله من إرثٍ ثقافيّ، فتحولت الواحة التجارية إلى واحة حضارية تتلاقح وتتلاقى على أرضها الأفكار، لا يلقي أرضاً بعضُها بعضاً..
 
إذاً، سورية لا يمكن أن تشكّل رحماً لأيّ تيار إقصائيّ وإلغائيّ وعنفيّ، وهذا هو جوابنا عن السؤال الثاني، لكن بالإمكان اصطناع حاضنة تبقي المسخ على قيد الحياة، وربما النمو.
 إ
ن قام المسخ وكسر الحاضنة، أو عاث فساداً في الواحة، تحوّل البرزخ إلى جزء من محيطات الرمل التي تتلاطم على حوافه.

لامستقبل للتيارات التكفيرية، سواء أخذت اسم الأصولية أم السلفية أم الجهادية، أما إن أقامت فلن تقوم قائمة للبلاد، خاصة أنّ الغرب صاروا يردّدون النغمة ذاتها من أنّ القاعدة، تنظيماً أو فكراً، تهدّد أمنهم الوطني والقومي، حسب اتساع رقعة بلادهم، ما يمنحهم الذريعة لذراع تبطش، سواء كان المستهدف جنيناً أم مسخاً، مولوداً أم مصطنعاً.