التفاؤل زائف.. الأمل مجازفة

 

يُصرُّ بعض المحللين، فيما يخصُّ الأزمة السورية، على لغة التفاؤل العنيد، والتفاؤل، كمنهج فلسفي يمثله "لايبنتز"، يرى في العالم القائم أفضل العوالم الممكنة.

وتفضي مثل هذه النظرة إلى إنكار الشرّ وسوء الطالع والكوارث في الحياة. أما إن وقعت كلّ هذه المحاذير، فلا مناص من اللحاق بها، وتبريرها، وكان المطلوب التحضّر لها.

والتفاؤل غير الأمل؛ فالأخير، وإن كان ينثني على نزعة التحسين إلا أنَّ هذا التحسين ينتج عن إدراك الواقع ومعرفة القوانين الموضوعية.. تحسينٌ يتمُّ بتضافر الجهود، وأملٌ يتنزَّه عن المجاملة.

 


تجد المتفائلين يحتفون، على سبيل المثال، برقم مجرد، لكنه لا يقدّم الحقيقة كاملة، إن لم نقل إنه يشوش عليها؛ من ذلك أنَّ تركيا ستخسر من العقوبات التي فرضتها على سورية قرابة ثمانية مليارات من الدولارات..
 
لا نشكّك في الرقم، لكنه في المقابل لا يحيط بأوجه الحقيقة كافة، من قبيل أنَّ تركيا دولة ناهضة ذات مشروع توسعي (بعضهم يصفه بالاستعماري)، فهل ستسلّم راضية مرضية بهذه الخسارة الفادحة، أم أنها قد تلجأ إلى سياسات أخرى علاجية أو ثأرية بحسب فداحة الإصابة؟.. وهنا يأتي دور المحلل، فلا ينكر الاحتمالات والنتائج الموازية، ولايكتفي بتسويق أمل زائف.

 


على الشاكلة نفسها، تجد محللين يراهنون على حتمية التحسن؛ لأنَّ الاستحقاقات الانتخابية، في كلٍّ من أمريكا وفرنسا، ستفرض برامج داخلية، تخاطب الناخب المحلي. وهذا وجه من الحقيقة.. ولكن ماذا لو صارت سورية جزءاً من البرنامج الانتخابي للرؤساء القادمين؟..

 


على المنوال نفسه، نسمع نبرة شماتة بالأزمة الاقتصادية المستفحلة في أوروبا وأمريكا، ويتابع أصحاب التوجه المتفائل بأنَّ الساسة في هذه الدول سيَغرقون في مستنقعاتهم الداخلية، وبالتالي سيهبط التصنيف الائتماني لسورية في رصيدهم المحلي إلى درجة متدنية.
 
هذه بالطبع نظرة متفائلة مشتهاة، لكن بعضهم، في المقابل، يزداد توجساً من الأزمات الاقتصادية للعالم المتمدن؛ لأنَّ حلولها، على الأغلب، تتمّ على ومِن حساب الشعوب الأخرى.

 


ما تقدَّم لايعني دعوة إلى التشاؤم، أو التسليم، لكن علينا أن نميّز بين الأمل الواقعي والتفاؤل الواهم، كما سبق لجورج برنانس أن ميَّز بينهما، قائلاً: "الأمل مجازفة ينبغي التعرّض لها". أما التفاؤل، فوصفه بأنه "أمل زائف".