التوحش أولاً.. يسار "إسرائيل" كيمينها

غزة

محمود عبد اللطيف| شام إف إم


ليس من الغريب في شيء أن يطلق أحد أعضاء حكومة الاحتلال الصهيوني تصريحاً عالي التوحش في مضمونه، بل إن الغرابة تأتي من وصفه بالمتطرف تبعاً لانتمائه لأحد أحزاب اليمين في الكيان الإسرائيلي، ومنطلق الاستغراب هنا هو وجود ممايزة من أي نوع بين الأحزاب داخل الكيان حتى يوصف حزب بأنه يميني، أو يميني متطرف، وآخر بـ "اليسار"، فحتى اليسار يؤمن بـ "الصهيونية الاشتراكية"، أو "الليبرالية الصهيونية"، وهما مصطلحان يقومان على أن فلسطين هي أرض الميعاد ليهود العالم بعد شتاتهم في الأرض، وبالتالي ما الفرق بين يسار الصهاينة ويمينهم..؟!.

وليس من الغريب أيضاً ألا يكون ثمة رد فعل من القوى العظمى على تصريح خطير كالذي قاله وزير التراث الإسرائيلي عميحاي ألياهو بأنه يجد إنهاء الحرب على غزة سيكون بإطلاق قنبلة ذرية تنهي المشكلة، باعتباره ألا وجود للأبرياء في القطاع المحاصر، أو تصريح عضو الكنيست "إسحاق كروز" بضرورة محو قطاع غزة من الوجود ليكون ذلك رسالة لأعداء الكيان الإسرائيلي، فالتاريخ هنا سيحيلنا إلى مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين اللتين شهدتها استخدام واشنطن للقنبلة النووية لإجبار اليابان على الاستسلام في الحرب العالمية الثانية، فالتوحش واحد، وبالتالي ليس من المتوقع تحرك دولي إزاء هذا التصريح، فقد سبقه تصريح خطير لوزير الحرب في حكومة الكيان الحالية "يزآف غالانت"، اعتبر فيه الفلسطينيين "حيوانات بشرية"، مبرراً لحكومته وجيشه التوحش الذي يمارس ضد قطاع غزة، وقطع كل مقومات الحياة عن سكانه.

ولا يوجد فوارق في توحش حكومات الاحتلال الإسرائيلي منذ تأسيس الكيان أو حتى قبل ذلك، فحينما كانت العصابات الصهيونية تشن هجمات دموية على القرى الفلسطينية قبل تأسيس كيانهم، كانت تستخدم كل التقنيات العسكرية المتاحة آنذاك لإبادة ما تقدر عليه من المدنيين العرب لتكون فلسطين أرضاً بلا شعب، وجيش "إسرائيل" تشكَّل من اندماج هذه العصابات بعد ١٢ يوماً من إعلان التأسيس للكيان المحتل، وبالقياس فقد تناسب التوحش طرداً مع تطور آلة القتل الصهيونية، ولن يؤثر وجود الأشخاص، فحتى إسحاق رابين الذي نال جائزة نوبل للسلام على إثر توقيع اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات في العام ١٩٩٤، لم يكن سوى واحد من الشخصيات التي طوّرت التوحش الإسرائيلي منذ أن كان عضواً في سرايا الصاعقة (البالماخ)، في العام ١٩٤١، وهي إحدى العصابات الأشد فتكاً بالفلسطينيين قبل ١٩٤٨، وهو نفسه من قمع الانتفاضة الفلسطينية عام ١٩٨٧ بكل وسائل العنف المتاحة آنذاك، ولا يعفيه اغتياله عام ١٩٩٥ على يد "أحزاب اليمين الإسرائيلية"، بزعم توجهاته المسالمة من المسؤولية التاريخية عن الكثير من المجازر في فلسطين ولبنان وحرب حزيران من العام ١٩٦٧.

تقديرات المرصد الأورومتوسطي حتى ٢ تشرين الثاني، تشير لإلقاء جيش الاحتلال ٢٥ ألف طن من المواد المتفجرة على قطاع غزة خلال أقل من شهر، وبحسب المرصد فإن المتفجرات التي تستخدم هي من خليط يعرف بـ"آر دي إكس" (RDX) الذي يطلق عليه اسم "علم المتفجرات الكامل"، وتعادل قوته 1.34 قوة "تي إن تي"، وبمعنى ثانٍ فإن الكمية الملقاة من هذا الخليط تعادل القدرة التدميرية لـ ٣٠ ألف طن من خليط TNT الأكثر شهرة بين خلائط المتفجرات، ووفقاً للمرصد ذاته فإن القدرة التدميرية لحجم المتفجرات التي قصفت بها قوات الاحتلال غزة، تفوق قدرة قنبلة هيروشيما، فمن حيث الوزن كانت القنبلة التي ألقيت على المدينة اليابانية في آب من العام ١٩٤٥ تزن ١٥ ألف طن من المتفجرات، ومن حيث المساحة فإن هيروشيما تقع على امتداد ٩٠٠ كم مربع آنذاك، بينما مساحة غزة الحالية هي ٣٦٠ كم مربع، ما يعني أن الوزير الإسرائيلي لم يكذب بل أكد حقيقة علمية تتجنب وسائل الإعلام قولها، مختصرها أن غزة قصفت حتى الآن بقنبلتين من ذات الحجم الذي قصفت به هيروشيما.

المزاعم بأن "إسرائيل" دولة ديموقراطية، تسقط حين الاطلاع على مناهج الكراهية للآخر التي يُربّى عليها الطفل في المستوطنات الصهيونية، وتسقط حين نجد أن بنيامين نتنياهو، الذي لا يعرف إلا القتل وسيلة للتعامل مع العرب منذ توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية لأول مرة قبل ٢٩ عاماً، ولربما هو أكثر من هُزم أمام المقاومة الفلسطينية وأبرز هزائمه كانت في حزيران من العام ٢٠١٤، وليس من الغريب أيضاً أن يكون مسمى الوزارة التي يشغل كرسيها "عميحاي إلياهو"، وزارة التراث الإسرائيلي، فالقتل والتوحش هو أهم ما يميز تاريخ "إسرائيل" وتراثها المادي واللامادي الموروث بين المستوطنين منذ قرار تأسيسها على يد عصبة الأمم في العام ١٩٨٤.

إن شريحة بشرية تزعم أنها ضحية لـ "هولوكوست"، النازية وغرف الإعدام بالغاز، يفترض بها أن تكون ميّالة للسلام وميّالة لأن تجد لنفسها وسطاً يقبلها، لكن كذبة المحارق النازية بحق اليهود والتي يُنتج لها بتمويل صهيوني عدة أفلام سينمائية في هوليوود سنوياً للإبقاء على المظلومية المزعومة، لا تختلف كثيراً عن كذبة الأطفال مقطوعي الرأس والنساء المغتصبات في أول أيام معركة طُوفان الأقصى، فكلاهما لا دليل على وقوعهما إلا المزاعم الإسرائيلية التي تلزم الجوقة الغربية على تكرارها حتى وإن ثبت العكس، فالصهاينة يتحكمون بتمويل حكومات قائمة، وهم من يمتلكون وسائل الإعلام الكبرى التي قد تُسقط أي إدارة في أوروبا أو أمريكا، وكل من يحاول قول الحقيقة سيتهم ببساطة بـ "معاداة السامية"، فمن الطبيعي جداً أن يمر تصريح "ألياهو"، وتصريح "كروزر"، كما مرّ تصريح وزير الحرب "غالانت"، وكما سيمر أي تصريح سيأتي لاحقاً، ما دام فعل القتل وجرائم الحرب في قطاع غزة مستمرة دون أي تحرك جاد لمحاسبة مرتكبيه، فالفعل أشد أثراً من القول، ولن ينتظر الفلسطيني إنصافاً إلا باستمرار فعل المقاومة، هي معادلة بسيطة بالنسبة للغزيين خصوصاً، والفلسطينيين عموماً.