الثورة "اليمنية"- القات شجرة بحجم الكارثة

ما الذي يجعل معظم اليمنيين ينجذبون لتناول واستهلاك شجرة القات بتلك الشراهة ويوفر لها كل ذلك الدعم والرعاية والاهتمام والأسواق الاستهلاكية الواسعة والنشيطة والإقبال المحموم على شرائها على حساب لقمة عيشهم في أحيان كثيرة وعلى حساب صحتهم واقتصادهم ومستقبل حياة أجيالهم كل هذا رغم معرفتهم الأكيدة بتلك الأضرار الجسدية وغيرها في ما يلي نتطرق إلى عدد من الأسباب:

أولا: سطوة العادة وضعف المقاومة
ü كأي عادة سلوكية أخرى يكتسب معظم اليمنيين عادة تخزين القات بفعل المؤثرات البيئية من الأسرة والمجتمع وبمرور الوقت يكون الفرد قد اندمج مع جماعة القات وأوراقه وأغصانه اللامعة بفعل المبيدات السمية المركزة التي تحتويها واكتسب عادة سلوكية جديدة في حياته دون أن يسأل نفسه هل هي عادة وممارسة إيجابية نافعة أم عادة وممارسة سلبية ضارة من أساسها رغم معاناته الجائرة منها ومفعولها المدمر على المستوى الفردي والمجتمع ككل وكعادة سلوكية مكتسبة تتفرع عادة شراء وخزين القات إلى:
- عادة التوجه إلى أسواق القات في وقت محدد لشراء القات يسبق غيره من المهام والواجبات مهما علت وارتقت في الأهمية.
- عادة الانتظار طويلا تحت أشعة الشمس الحارقة حتى وصول سيارات القات.
- عادة الخضوع والاستكانة لثمن القات الذي يحدده ويفرضه بائعو  القات.
- عادة تخزين القات مع الجماعة لساعات طويلة فضلا عن حب التقليد من قبل الصغار وتشجيعهم على تخزين القات من قبل الكبار.
- عادة النشوة والكلام الكثير أولا والخمول الذهني والسكوت المصحوب بالوسواس والانطواء على الذات فيما يعبر عنه بالساعة السليمانية وما بعدها.
ثانيا: هذا في الغالب الأعم لمجتمع القات في بلادنا ناهيك عن ضعف الشهية للطعام والقهد أو انعدام النوم والتأثير السلبي الواضح في أداء وإنجاز الأعمال في اليوم الثاني والأمراض التي تتراكم في جسم الإنسان بفعل المبيدات السمية المركزة في أشجار القات، لعل هذا الأثر والنتائج السلبية الفورية كافية لإقناع الإنسان بترك هذه العادة الاجتماعية الضارة وعدم جدواها لولا ضعفه أمامها وتردده في اتخاذ القرار الصعب لمصلحة نفسه.

ثانيا: الراحة والاسترخاء وقتل الوقت
ü أن يتحرر متعاطو القات من باقي مسؤولياته ويريح المخزن نفسه من أي جهد أو عمل وينهمك في تناول ومضغ أوراق وأغصان القات لساعات طويلة أثناء النهار بدافع الراحة والاسترخاء وقتل الوقت وهو الغاية والهدف من تخزين القات كعادة سلوكية في قمة السلبية في بلادنا ذلك أن الوقت لدى شعوب العالم وبلاد الله الواسعة يعتبر عنصرا ثمينا ورأسمال أساسيا لبذل الجهد والعمل وبناء القدرات والمهارات البشرية للإنسان كمدخل للعمل المنتج والبناء وتطوير الحياة وتحقيق المكاسب والإنجازات الاقتصادية والاجتماعية وتوليد الثمار والمنافع المادية وغير المادية الضرورية لحياة الفرد والمجتمع.
كما هو معلوم فنسبة المخزنين بالمواصفات المذكورة في بلادنا تفوق 09% من عدد السكان البالغين (يكفي أن نعرف غير المخزنين في أي مؤسسة أو مرفق حكومي أو حتى في مطعم أو قرية نائية لنستدل) إضافة إلى نسبة عالية من الأطفال وبالمقارنة مع الشعوب الأخرى سالفة الذكر يتضح أن مجتمعنا اليمني صانع تخلفه بامتياز.

ثالثا: النشوة الوقتية وأحلام اليقظة العابرة
ü ترافق الراحة المؤقتة والاسترخاء عند التخزين بالقات ومضغه حالة من اليقظة المصطنعة والنشوة العابرة تولد نوعاً من المشاريع والخطط الطموحة والرغبة في التعبير عنها بصوت مرتفع بغض النظر عن قابليتها للتنفيذ من عدمه إلى جانب الإفصاح عن الهموم والعواطف بدافع استدرار العطف والتشجيع من الآخرين بجلسة القات بصورة تكاد أن تكون تبادلية.
يمضي الوقت وتتلاشى تلك الأفكار تدريجياً ويسود بعدها شعور وإحساس بالهدوء النفسي والانطواء على الذات والكآبة والضجر وأوهام التفكير والشكوك بمن حولهم وأحيانا بأقرب الناس إليهم لدى معظم المخزنين تعبيرا عن استنزاف طاقة الجسم وانحراف المزاج الطبيعي وتشبعه بفضلات وعصارة القات الممزوجة بالمبيدات السمية التي تتحول إلى أمراض بصورة تدريجية تصيب الإنسان مع المداومة على التخزين بالقات بأسوأ الأضرار.

رابعا: صحبة الجماعة عند تخزين القات
ü كما هو معروف بفضل تخزين ومضغ القات في جلسات جماعية للرجال أو النساء ولذلك شاع القول أن القات سلعة اجتماعية أو أنها تجمع الناس وإن كان ذلك صحيحا من الناحية الشكلية لكن نتائج اجتماعات الناس بجلسات القات نادرا ما تكون إيجابية للأسباب التالية:
- إن الإنسان كائن اجتماعي يسعى لتحقيق ذاته من خلال الجماعة.
- إن الإنسان مسكون بالعواطف والهموم المختلفة التي تتحول إلى طاقات كامنة وضاغطة في أعماقه وإن المناخ النفسي الذي تشبعه جلسات القات الجماعية تساعد على البوح بما في نفسية الإنسان والتعبير عن عواطفه وهمومه المختلفة سارة كانت أو مؤلمة بفعل نشوة القات المصطنعة كفرصة ودافع لتحقيق الذات مع قدر من المبالغة والمباهاة أمام الآخرين.
- تعبر جماعة تخزين القات عن أفكارها بأصوات مرتفعة عادة ومتزامنة يغلب عليها التسابق إلى الكلام والنكات والضحك الذي يتلاشى تدريجيا جنبا إلى جنب مع تلاشي نشوة القات وتشبع الجسم والدم بفضلات وعصارة القات الممزوجة بالمبيدات السمية المركزة واستنفاد الطاقة والميل إلى الهدوء وانعدام الرغبة في الكلام والانطواء على الذات ونسيان كل أو معظم ما دار من حديث وأفكار متبادلة في جلسة القات والمغادرة المصحوبة بوساوس التفكير المزعجة والمملة والكآبة الثقيلة بعد ضياع ذلك الوقت الثمين والساعات الطويلة بما لا يجدي أو يرجى منه نفعاً.
هناك إجماع لدى مجتمع مخزني القات على صحة الآثار والنتائج السلبية العاجلة والآجلة سالفة الذكر.. إن لم يكن هناك ما هو أسوأ لكن عادة ما يكون التبرير أو الرد هو أين نقضي وقت الفراغ ردا على استفسارهم أو حثهم لترك عادة تخزين القات.
يعكس هذا الرد مدى ارتباطهم بهذه العادة السلبية وضعفهم أمام سطوتها كأن الدنيا ضاقت على وقتهم بما رحبت ، أو كأن الله ما خلق الإنسان في بلادنا إلا ليأكل وينام ويتناسل ويعمد إلى قتل باقي الوقت وهدره وتبذيره ويتفرغ لممارسة عادة تخزين القات يوميا ويتجرع عواقبها الوخيمة العاجلة والآجلة على الصورة الموضحة سلفا ذلك كبديل لاستثمار الوقت في العمل والإنجاز والإنتاج وتطوير وسائل الحياة وتوفير غذاء واحتياجات مجتمعنا اليمني التي تركها وأقلع عنها في سبيل راحته وهنائه وأصبح إنتاجها وتوفيرها لبلادنا من اختصاص المجتمعات البشرية النشيطة الرائدة في الحياة المعاصرة فيما وراء البحار ومرهون بها، يمثل هذا الوضع المؤسف نقطة ضعف قاتلة لمجتمعنا اليمني كما يعلم القاصي والداني بذلك.

الثورة - محمد عثمان - 28 - 8 - 2010