الثورة "اليمنية"- حيثيات الترشيد والامن الغذائي.

ل نحن بحاجة فعلاً للترشيد الغذائي، إذا كان هناك فقر غذائي تسجله الإحصائيات عند الكثير من عامة الناس؟؟ لعل أبرز معطيات السؤال السابق تفرض بالتأكيد ضرورة الترشيد الغذائي، فحتى نتخلص من ظاهرة الفقر الغذائي التي يعاني منها بعض العامة الذين يقعون تحت خط الفقر، فإن الفئة الميسورة بل وحتى الفقراء مطلوب منهم ترشيد استخدام الغذاء والاكتفاء بما يحتاجه الجسم لسد الجوع، فالملاحظ أن هناك كميات كبيرة من الطعام بمختلف مكوناته "خضراوات، خبز، فواكه، معجنات" تذهب كمخلفات إلى القمامة. ودون الإطالة بالمقدمة حول هذا الموضوع فإن الخطوة والمبادرة التي جاءت في وقتها لمناقشة هذه القضية في إطار علمي تحسب لرجل الأعمال الأستاذ يحيى علي الحباري - عضو مجلس الشورى - رئيس مجلس إدارة الشركة اليمنية الدولية للصناعات الغذائية الذي كان وراء عقد ندوة الترشيد والأمن الغذائي في اليمن التي عقدت أمس، ونوقشت فيها أوراق عمل علمية أعدها نخبة من الأساتذة والأكاديميين اليمنيين والمختصين بهذا الموضوع، والأستاذ يحيى الحباري معروف باهتمامه بهذه القضية وقد قرأت له قبل فترة في العديد من الصحف وهو يثير هذه المسألة من عدة جوانب. الجديد في هذه الندوة أنها ربطت ما بين الترشيد والأمن الغذائي وهو ربط موفق ومتلازم، فالترشيد خطوة أولية نحو تحقيق الأمن الغذائي، والأمن الغذائي أبرز أولويات الأمن القومي للوطن. والسؤال هو: هل أمننا الغذائي في خطر؟ - فعلاً في خطر لأن اعتمادنا في تأمين احتياجاتنا من القمح وهي السلعة الرئيسية والأساسية في غذاء كل يمني يتم استيراد 93% منها من خارج البلاد، وما تنتجه الأراضي اليمنية لا يزيد عن 7%. أمننا الغذائي في خطر لأننا مرهونون بانتاج الغير والظروف والتقلبات المناخية، فهذا الوضع لم يعد خافياً، فهناك مخاوف من تقلص التصدير بعد أن شهدت العديد من المناطق العالمية المشهورة بزراعة وتصدير القمح الجفاف فتقلصت مساحة زراعته فيها "مثل استراليا"، ومساحات واسعة في روسيا وهي من الدول المصدرة والمشهورة في زراعة القمح تعرضت للحريق فأوقفت التصدير. أمننا الغذائي في خطر.. لأن سعر القمح يرتفع باستمرار نتيجة زيادة الطلب العالمي عليه وبلادنا تعاني من صعوبة في توفير العملة الصعبة لاستيراد كل شيء ومن ذلك القمح. أمننا الغذائي في خطر طالما والنمو السكاني في ارتفاع متزايد، فنحن الآن 24 مليون نسمة وبعد عشر سنوات سيصل تعدادنا إلى ما يقارب 36 مليون نسمة.. كيف يتم توفير الغذاء لكل ذلك العدد؟ أمننا الغذائي في خطر طالما هناك هدر للمياه بدون تدبير وترشيد واستنزاف المياه الجوفية بشكل حاد والمخيف والمعيب جداً أن تذهب نسبة كبيرة من هذه المياه لري القات. هذه المؤشرات العامة جعلت اليمن في وضع حرج وتدحرج عدد من السكان إلى تحت خط الفقر الغذائي الذي يأتي بسوء التغذية ومن ثم زيادة الأمراض وبالأخير الإصابة بالعلل الصحية والأجسام الشاحبة. إذاً هل نحن بحاجة إلى ترشيد؟ نعم نحن بحاجة إلى ترشيد، فالملاحظ أن هناك أكواماً من القمامة المتخمة بمخلفات المأكولات ترتع منها الكلاب والقطط والحشرات، وحسب ورقة قدمها الأخ يحيى الحباري فإن هناك ما بين 20 و30% من كميات الأطعمة المستهلكة تذهب للقمامة وفق دراسة أعدها طلاب كلية التجارة بجامعة صنعاء. وظواهر الإسراف والتبذير ملموسة ومؤذية كما نشاهدها في عزائم الأفراح، والمآتم، بل ملحوظة حتى في موائد العديد من الأسر الميسورة، وحتى الفقيرة التي تعمل بمقولة "يومك عيدك". الترشيد ضروري وهو قيمة حضارية نراه حتى في المجتمعات المتقدمة.. فمن العيب جداً أن تأخذ إلى صحنك إذا كنت في ضيافة أكثر من حاجتك فعيب أن تترك في الصحن طعاماً، يأخذون حاجتهم من البقالات من الدقيق والسكر بالكيلو، والفاكهة بالحبة، هذا هو الترشيد. أما في ديننا الإسلامي فإن الترشيد ضروري وهو مطلب الاهي من الله سبحانه وتعالى إذ يقول في محكم آياته: (كُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). الموضوع كبير ويحتاج إلى وقفة تأمل ومراجعة عملية من كل مكونات المجتمع من الجهات الرسمية والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني حتى الوصول إلى كل فرد في الأسرة.. ولنا في هذا حديث قادم.

الثورة  - محمد العريقي - 10 -8 -2010