«الجزيرة» تدخل البلقان «إحياء للهوية اليوغوسلافية»

«إنها القناة الإخبارية الأولى من نوعها إقليمياً... فهي تمد الجسور وتملأ فراغاً كبيراً»... في بيان إحتفالي، أعلنت شبكة الجزيرة الفضائية، في الحادي عشر من الشهر الحالي، إنطلاق قناة «الجزيرة ـ البلقان» الناطقة باللغة الصربو كرواتية في العاصمة البوسنية سراييفو، والتي تغطي كامل منطقة البلقان، وتبث على مدار الساعة.
وتعدّ «الجزيرة بلقان» القناة الثانية التي تفتتحها الشبكة الفضائية بعد إفتتاحها للجزيرة الناطقة باللغة الإنكليزية، التي بدأت البث في العام 2006. ووفقاً لمديرها التنفيذي الجديد طارق ديو دجيتش فإن الشركة استثمرت مبلغ 20.5 مليون دولار في القناة الجديدة. وكان ديو دجيتش أعلن سابقا عن «بدء البث عبر الأقمار الصناعية بواسطة مشغلي الكابل في المنطقة وعلى شبكة هرتز في البوسنة»، مضيفاً «لقد تدربنا طيلة أشهر للتوصل إلى المستويات التي ستكون فيها «الجزيرة» في متناول أيدي جمهورنا».
من جهته، يبدو مدير القناة العام غوران ميليك، وهو إعلامي معروف في التلفزيون الكرواتي، متحمساً للمشروع وهو يتحدث عن «حلم كبير يتحقق، ليس فقط بالنسبة لي، إنما بالنسبة لشعوب هذه المنطقة. فهذه القناة ستبني جسورا من التواصل كانت مفقودة».
وميليك كان منخرطاً في العمل في شبكة تلفزيونية هدفها إنقاذ يوغوسلافيا أثناء إنهيارها، بين عامي 1990 و1992، وقد ذهبت ضحية حرب البوسنة.
قد يرى القيمون في هذا المشروع خطوة متقدمة تتحقق، ولكنه ليس من قبيل المصادفة أن تجتمع وسائل الإعلام، التي تنادي بإحياء يوغوسلافيا، في مكان معيّن، ما يعكس موقفاً معاديا لمخاوف الجيران أو تصوراتهم.
تقنياً، ستكتفي «الجزيرة بلقان» بالبث المباشر لمدة ست ساعات في المساء. وستبث الشبكة نشرات إخبارية بصورة متواصلة، وبينها برنامج مع ضيوف اعتبارا من السادسة مساءً. وخلال النهار، ستبث أفلاما وثائقية وبرنامج الجزيرة بالانكليزية. لكنها تعتزم إنتاج برامج إخبارية إقليمية في المستقبل طيلة النهار. وبالإضافة إلى استديو رئيسي في ساراييفو، أقامت الشبكة أيضا مكاتب في ثلاث عواصم كبرى في المنطقة هي زغرب وبلغراد وسكوبيي، وهي عواصم كرواتيا وصربيا ومقدونيا.
وتراهن الشبكة على جمهور من 20 إلى 30 مليون مشاهد في المنطقة، وعلى انتشار كبير متحدر من كل من الجمهوريات اليوغوسلافية الست السابقة، صربيا وكرواتيا والبوسنة ومقدونيا ومونتينغرو وسلوفينيا المتواجد خصوصا في أوروبا.
الغريب هو أن «الجزيرة بلقان» لم تفتتح مكاتب لها في كوسوفو أو ألبانيا، رغم أن هذين البلدين يضمان الأكثرية المسلمة. فأكثر من 90 في المئة في كوسوفو وأكثر من 70 في المئة في ألبانيا هم من المسلمين، مقارنة بالبوسنة حيث 50 في المئة من المسلمين فقط. وما يزيد الأمر غرابة، هو اللغة التي اختارتها القناة للبث حيث يثير الأمر استهجاناً في الأراضي الألبانية. صحيح أن الألبانيين الكوسوفيين القدامى قد يفهمون اللغة السلافية، إلا أن قلة هم من يتكلمون اللغة السلافية حتى في ألبانيا نفسها.
في الواقع، يعد عامل الدين أساسياً في هذا الإطار، حيث أن الإسلام الرسمي في قطر هو الوهابيّة ولكن من دون التشدّد في مسألة التعاطي مع المرأة تحديداً كما في السعوديّة. والإسلام في البوسنة والهرسك وصربيا وكرواتيا وسلوفينيا متآلف مع هذا التوجه من الإسلام، على عكس الإسلام في كوسوفو وألبانيا المعادي للتدخل الخارجي والمتأثر بالروحية الصوفية المكروهة لدى الوهابيين. أضف إلى ذلك، أن كوسوفو وألبانيا معروفتان لجهة تعاطفهما المعلن مع الولايات المتحدة.
ومع دخولها الى البلقان، تحاول «الجزيرة» إحياء الثقافة اليوغوسلافية الممزقة فضلاً عن توسيع النفوذ الإسلامي. ولكن قرارها يأتي في توقيت سيء بالنسبة للمنطقة، إذ يتزامن مع تحرّك الوهابيين المتطرفين عند الحدود مع البلقان.
وفي النهاية، ليس مؤكداً كيف يمكن أن يكون استثمار «الجزيرة» في البلقان مربحاً وعلى أي صعيد. أما الأكيد فهو أن زعماء يوغوسلافيا السابقة سيستفيدون من نسج شبكة علاقات واسعة مع أثرياء النفط في الخليج.

 

 

شام نيوز - السفير