الجنون الأمريكي - الاسرائيلي في أيلول

"هل يمكن لاي شخص مطلع على مسيرة السلام الفلسطينية -الاسرائيلية ان يؤمن بعد الان ان هذه الحكومة الاسرائيلية تستطيع ان تتحدى اكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهم الاكثر نفوذا في المجال السياسي في اسرائيل، اضافة الى شبكات التأييد لهم داخل اسرائيل؟ وهل يمكنها ان تقدم للفلسطينيين خطة سلام معقولة لقيام دولتين تكون مقبولة حتى لاكثر القادة الفلسطينيين اعتدالا وتساهلا؟
كانت شيلي ياحيموفيتش، عضو البرلمان الاسرائيلي التي تسعى للحصول على رئاسة حزب العمل، قد اعلنت اخيرا ان مشروع الاستيطان الاسرائيلي "ليس خطيئة او جريمة" منذ الشروع فيه على ايدي حكومة عمالية، وعليه فانه "خطوة توافقية بالكامل". واذا تركنا جانباً الفكرة العجيبة القائلة ان توافق اللصوص يضفي الشرعية على السرقة، فانه اذا كانت هذه وجهات نظر المرشحين لزعامة حزب العمل الاسرائيلي في الوقت الحاضر، فما هي الامكانية التي يمكن ان تتوافر لاتفاق سلام مقبول ان ينتج عن مسيرة السلام؟
وهل هناك اي شخص شاهد التصفيق المهووس الذي قوبل به رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو خلال خطابه الاخير امام الكونغرس الاميركي والذي لم يترك فيه اي مجال للشك نيات حكومته بالنسبة الى القدس الشرقية والضفة الغربية، أو استمع الى الرئيس الاميركي باراك اوباما وهو يؤكد للحضور من منظمة "اآيباك" (لجنة الشؤون العامة الاميركية الاسرائيلية) بان الصلات التي تربط الولايات المتحدة باسرائيل "لا يمكن فصمها" ابدا، ومع ذلك فانه لا يزال يؤمن ان الولايات المتحدة ستبذل اي ضغط في اي وقت على اسرائيل يؤدي في النهاية الى تغيير حساباتها لترجيح كفتي ميزان الربح والخسارة في ما يتعلق بمشروعها الاستعماري؟
هذه الحقائق التي لا يمكن تحديها تبين اكاذيب الاصرار الاميركي السخيف، الذي صدر اخيرا عن الرئيس اوباما في 12 أيلول (سبتمبر)، من انه ليس بالامكان تحقيق الدولة الفلسطينية الا نتيجة اتفاق بين نتنياهو وعباس. ولا شك في ان الرئيس اوباما يدرك ان ابقاء الامور تسير في هذا المجال لن يوصلا نتنياهو وعباس الى اتفاق بشأن الدولتين، وان الغرض الوحيد لاستئناف "مسيرة السلام" سيكون توفير غطاء لقضم اسرائيل للمزيد من اراضي الضفة الغربية.
كان بامكان الولايات المتحدة ان تقنع الرئيس عباس بالتخلي عن المبادرة في الامم المتحدة لصالح استئناف المفاوضات لو انها اكدت له انه اذا لم تستطع حكومة نتنياهو وليبرمان توفير خطة سلام خلال فترة معقولة من الزمن على اساس حدود 1967، والتبادل المتساوي المتفق عليه للاراضي والمشاركة في القدس، فان الولايات المتحدة ستعمل على وضع تلك الخطة امام مجلس الامن الدولي.
الا ان مما يؤسف له ان الولايات المتحدة لا تجد في نفسها الشجاعة السياسية للقيام بذلك. وبدلا من تمكين الرئيس عباس من سحب مبادرته من الامم المتحدة بتزويده بتبرير لمثل تلك الخطوة، فان الولايات المتحدة سعت الى ارهاب القيادة الفلسطينية لتغيير موقفها بالتهديد باستخدام حق "الفيتو" في مجلس الامن، وبانهاء المعونة المالية الاميركية للسلطة الفلسطينية.
واذا نحينا جانبا جبروت التهديد بهذه "العقوبة" – التي لن تكتفي بانهاء التعاون الامني الفلسطيني - الاسرائيلي ولكنها ستزيد من احتمال قيام انتفاضة ثالثة – ففي اي وقت هدد رئيس اميركي اخيرا حكومة اسرائيلية باي نوع من العقوبات بسبب رفضها لنصيحة الولايات المتحدة، حتى عندما تكون الاجراءات الاسرائيلية مخالفة، بلا ادنى مجال للشك، للقانون الدولي؟
ان "الجريمة" الفلسطينية – بالتحول الى الامم المتحدة للتخلص من احد اطول حالات الاحتلال العسكري في التاريخ المعاصر، وفي جزء منه لردع من هم في صفوفها ممن فقدوا كل امل عن اللجوء الى العنف – ما دعا الى رد اميركي مبالغ به يمكن ان ينظر اليه في الواقع كعمل من اعمال السيادة يستحق التشجيع والتقدير. الا ان سرقة ميراث الاراضي من الشعب الفلسطيني – وهو كيف ان قرار التقسيم الدولي في العام 1947 حدده، ليس بالضفة الغربية بل والاراضي التي توازي ضعف حجمها – هو جريمة بمقتضى القانون الدولي، مثلما يُعتبر نقل مواطنين اسرائيليين الى الاراضي المحتلة. غير ان هذه الجرائم لم تلق اكثر من الملامة الاميركية الفارغة التي تتبعها على وجه التأكيد تكرار التشديد الحازم على ثبات الروابط الاميركية مع اسرائيل.
ويكشف التناقض بين الرد الاميركي على التجاوزات الاسرائيلية والفلسطينية عن عدم جدوى الاعتماد على الولايات المتحدة لتقديم اطار عمل عادل ومتزن الى الجانبين من اجل حل الوضع النهائي، على ان تستخدم بعده قوة كبيرة للتحقق من تنفيذه. وبخلاف ذلك، فانه يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة لجعل حماية المصالح الاسرائيلية – كما تحددها حتى اكثر حكوماتها رجعية وكراهية للاجانب – اهم اولوياتها. وسيعمل الكونغرس الاميركي، ان لم يكن البيت الابيض، على اتمام ذلك.
ان لدى الرئيس عباس وانصاره من الاسباب ما يجعلهم واثقين من انهم برفض سحب مبادرتهم من الامم المتحدة، قد اختاروا الطريق الصحيح. ولا بد للفلسطينيين والمجتمع الدولي ايضا من ان يتصالحوا مع حقيقة ان حل الدولتين يجب ان يتحقق ليس من دون مساعدة اميركية فحسب،وانما ايضاً بالرغم من معارضتها. ان قراراً من الجمعية العامة للامم المتحدة يؤكد حق الفلسطينيين بان تكون لهم دولة ضمن حدود 1967 ومنحهم صفة مراقب لـ "دولة غير عضو"، لن يؤدي الى تقدم فوري لانهاء الاحتلال الاسرائيلي. الا ان من المحتمل ان يثير ردود فعل عالمية ضد استمرار اسرائيل في الاصرار على عدم حصول الفلسطينيين على نسبة 22 في المئة من فلسطين وهي ما ابقي لهم. وسيحمل رد الفعل معه فرصا بعيدة الاثر لاعادة الاسرائيليين الى رشدهم، ولمبادئ مؤسسي دولة اسرائيل، اكثر من اي جهود اميركية جوفاء حتى هذا اليوم".
هنري سيغمان - FORGEIN POLICY