الحرب الإعلامية على سوريا تقنيات حديثة بخفايا سياسية بدأت عام 2005

صحيفة "الانتقاد" سألت الإعلاميين ابراهيم عوض وسركيس أبو زيد ومدير الفرع الاول في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور اياد عبيد واستاذ مادة الصحافة العربية في كلية الاعلام الدكتور علي رمال.
الصحافي وعضو المجلس الوطني للإعلام ابراهيم عوض يرى "أن الإعلام أصبح ركيزة أساسية في أي معركة تخاض سواء كانت معركة حربية أو سياسية. وانطلاقاً من ذلك تتعرض سوريا الى حرب اعلامية شرسة تقودها أبرز وسائل الاعلام العربية والدولية، والمزودة بأهم التقنيات الحديثة والمؤمن لها كل وسائل الدعم المادي والبشري". حتى يمكن القول "إن مليارات الدولارات صرفت حتى الآن لدعم هذه الحملة".عوض يقول "إن الحملة الإعلامية على سوريا تدرجت مع ظهور ما سمي بالمعارضة وهي بالحقيقة مجموعة معارضات متضاربة الأهداف والمصالح، في الداخل والخارج. سبق ذلك دعوات الى إجراء اصلاحات سياسية واجتماعية داخل بنية النظام السوري، استجاب لها الرئيس بشار الأسد لا سيما فيما يتعلق بالدعوة الى الغاء قانون الطوارئ. ولكن مع كل خطوة اصلاحية كنا نشاهد حملات تشكيك وتحريض بنوايا الرئيس الأسد من بعض وسائل الاعلام العربي والاجنبي وتحديداً محطتا الجزيرة والعربية. مما يعني أن هذه الوسائل الإعلامية تنكبت مهمة ابقاء التوتير قائماً على الساحة السورية. كما انها عمدت الى الخروج عن الاعراف المهنية عندما راحت تتبنى وجهة نظر واحدة حول ما يجري في سوريا هي وجهة نظر المعارضة، مغفلة مشاهد القتل المتعمد والتمثيل بالجثث التي ارتكبها المسلحون بحق الجيش السوري وعدد كبير من المدنيين. بالإضافة الى تخريب المؤسسات العامة ومخافر الشرطة. كما إنها دخلت في عمليات مبالغة واضحة لما يجري من أحداث لجهة استعمال بعض التقنيات التي تحاول أن تظهر من خلال الصور عدد المتظاهرين أكبر بكثير من حجمهم الحقيقي.
ويتابع عوض "أن عمليات التلفيق الإعلامي ضد سوريا ليست وليدة الازمة السورية فهي بدأت قبل ذلك بكثير" وهنا يروي لـ"الانتقاد" "أنه كان مديراً لمكتب جريدة الشرق الاوسط في بيروت عندما قتل الرئيس الحريري في شباط عام 2005 ولم يكن الجيش السوري قد انسحب بعد من لبنان، يومها تلقى بعد عملية الاغتيال بأيام تقريراً من مكتب الجريدة في لندن مفاده أن مندوبة جريدة الشرق الاوسط دخلت الى بلدة عنجر وعاينت أقبية التعذيب التي انشأها الجيش السوري، وشاهدت المقابر الجماعية التي دفنت فيها المخابرات السورية ضحاياها، وتحدثت الى اشخاص قالت إنهم تعرضوا للتعذيب على أيدي الاجهزة الامنية السورية، علماً أن بلدة عنجر كانت في ذلك الوقت مقر قيادة القوات السورية في لبنان ولا يمكن الدخول اليها إلا بمعرفة المخابرات السورية وتحت مراقبتها". وهنا يشير عوض إلى أن "التقرير المذكور لم يتضمن أي صور لأقبية التعذيب تلك أو لأحد الذين ذكر التقرير انهم عذبوا. الأمر الذي دفعنا من جانب مهني بحت ومن منطلق الحرص على مصداقيتنا المهنية الى الاعتراض على نشر التقرير من بيروت فما كان من إدارة الجريدة إلا أن نشرته على أنه صادر من مكتب الصحيفة في لندن، مما يرسم علامات استفهام حول أهداف التقرير وتوقيت صدوره وكيفية صدوره. ناهيك عن كل الفبركات الإعلامية التي حدثت منذ اغتيال الرئيس الحريري حتى اليوم ضد سوريا".
الاعلامي سركيس ابو زيد يقول من جهته "إن القوى المعادية لسوريا استغلت تواضع الإمكانات لدى الاعلام السوري مقارنة مع ما تختزنه وسائل الاعلام التي جندت في حملة إسقاط النظام في سوريا من قدرات مادية ومعنوية هائلة. لتنشئ غرفة عمليات إعلامية عربية ودولية مشتركة هدفها تشويه الحقائق في سوريا وصناعة رأي عام عربي وعالمي وداخلي معاد للنظام من أجل تبرير التدخل في الشؤون السورية". وينقل أبو زيد عن أحد القياديين السابقين الذين شاركوا فيما يعرف بـ"ثورة الارز" عام 2005، "أن فريقاً إعلامياً اجنبياً وصل الى بيروت عقب مقتل الرئيس الحريري مباشرة وأقام في احد فنادق العاصمة. واجتمع هذا الفريق بقادة "ثورة الأرز" وقدم نفسه على انه مجموعة من الخبراء الأوكرانيين المتخصصيين في صناعة الثورات جاؤوا إلى لبنان بهدف مساعدة اللبنانيين في صناعة ثورتهم على حد تعبيرهم. وبعد أيام من وصول الفريق بدأت تصل الى الفندق نفسه وفود إعلامية من تلفزيونات عالمية عدة وعقدت اجتماعات مع إعلاميين وسياسيين من الفريق الذي يسمي نفسه ثورة الأرز.لوضع الخطط لإداراة المعركة الإعلامية ضد سوريا وحلفائها في لبنان. وكان اول طلب للفريق الاجنبي هو تغيير اسم الحراك من انتفاضة الأرز الى "ثورة الأرز"، على اعتبار ان كلمة انتفاضة ترتبط في ذهن الاعلام الغربي بالانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين والتي يقف منها الإعلام الغربي موقف المؤيد لـ"اسرائيل". أبو زيد ينقل ايضاً عن القيادي المذكور قوله "إن الفريق الأوكراني كان وراء فكرة اضاءة الشموع في ساحة الشهداء وكتابة الشعارات باللغات الاجنبية واعطاء حيز واسع للنساء في هذا الحراك وذلك كله بهدف كسب تعاطف الرأي العام الغربي". ويضيف ابو زيد "إن القيادي نفسه لاحظ بعد اندلاع الاحداث في سوريا أن المعركة الإعلامية هناك تدار بنفس الأسلوب والأدوات التي أديرت بها ضد سوريا والمقاومة عام 2005 في لبنان".
ويلفت ابو زيد إلى "ما تبثه بعض الفضائيات العربية والعالمية وخاصة قناتي العربية والجزيرة من صور مشوشة ودائماً مهتزة، منقولة بواسطة هاتف خليوي هو امر هدفه إخفاء العدد الحقيقي للمتظاهرين، والذي هو قليل جداً نسبة الى تعداد الشعب السوري. ذلك أن التصوير بواسطة الكاميرات التقليدية سواء كانت ثابته أو محمولة أو حتى من خلال هاتف خليوي لا يتعمد فيه المصور إحداث أي اهتزاز في الصورة سيظهر حكماً الأعداد الحقيقية للمتظاهرين. والسبب الثاني من اعتماد التصوير بالهاتف الخليوي هو ايصال رسالة أن الامن السوري يقمع الحريات الاعلامية. ويمنع وسائل الاعلام من نقل الصورة الحقيقية لما يجري. وهذا القول غير صحيح اذا ان العديد من المظاهرات جرت أو تجري في مناطق لم يكن للقوى الأمنية سيطرة فيها، ويمكن التصوير فيها بكاميرا تقليدية. وأن تكون تلك المشاهد بديلاً عن المشاهد التي يقولون الأمن السوري يحاول قمعها واخفاءها".
أبو زيد يشير أيضاً الى "أن الهدف الأساسي للهجمة الإعلامية على سوريا هو محاولة خلق بيئة فتنوية وطائفية تمهد لإسقاط سوريا في حرب أهلية لا تنتهي فصولها. مثال على ذلك صورة قبة المسجد الذي ادعى المحتجون أنها انهارت بفعل قصف الدبابات للمسجد. والتي سرعان ما ظهرت على أنها صورة مفبركة. وان المسجد سليم ولم يتعرض لأي قصف. واذا اردنا أن نجاري المناوئين للنظام والقول إن ما صوّر هو صحيح فإن ما يثير الاستغراب هو كيف عرف من التقط هذا المشهد وووزعه على الفضائيات العربية والاجنبية أن هذا المسجد بالضبط سيقصف. ونصب كاميراته بقربه وراح ينتظر ساعة القصف. وكيف أن هذا المشهد بالذات خلافاً للمشاهد الاخرى صوّر بشكل جلي وواضح. وهذا يذكر بالشريط الذي سرّب حول اعدام صدام حسين والذي تضمن أصوات وعبارات تحض العراقيين على التقاتل الطائفي فيما بينهم".
مدير الفرع الاول في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور اياد عبيد يقول "إن الحديث عن الحملة الإعلامية على سوريا هو موضوع حيوي لأنه يؤثر على الوضع في سوريا بالسياسة والاقتصاد والاجتماع والجغرافيا. وهو أيضاً يؤثر على شبكة العلاقات السورية العربية والدولية والإقليمية". عبيد يضيف "ان خطورة الموضوع تكمن في ان كل العناصر الاقليمية والدولية التي تعادي سوريا لديها وسائل إعلام مكتوبة ومرئية ومسموعة تجهز وتسوق بالسياسة لهذا الحدث في المشهد السوري. واننا ازاء ذلك امام لعبة تسويق سياسي كبيرة تقاد عبر اجهزة اعلام معينة".عبيد يقول "ان وسائل الاعلام المنخرطة في الحملة على سوريا تتعاطى مع الحدث السوري كل حسب المصالح التي تعبر عنها والمرتبطة باللعبة السياسية الكبرى في المنطقة. وهذه الاجهزة الاعلامية المتعددة لديها وسائل تكنولوجية لها قدرة على الميكساج والمونتاج والتصوير السريع. لذلك فهي قادرة على تزوير الحقائق وبنفس الوقت لها القدرة على إظهار الحقائق ان ارادت. لذلك بات ضرورياً على النظام في سوريا فتح ابواب سوريا أمام كل وسائل الإعلام لتبيان الأمور على حقيقتها. وذلك لإثبات ان ما يجري في الداخل السوري هو عكس ما ينقله بعض وسائل الاعلام العربية والاجنبية".
ويلفت عبيد إلى أنه ليس مهما السؤال عما إذا كان هناك تزوير في المشهد الإعلامي تجاه ما يجري في سوريا. بل المهم هو كيف تجري عمليات التزوير. الجواب هو بواسطة تقنيات اتصال متطورة جداً". وهنا يرى عبيد "أن الاعلام السوري مازال يعاني من ضعف في عملية نقل الحقائق بسبب ضعف ماكينته الاعلامية الموجهة الى الخارج وعلى الحكم في سوريا الانتباه ملياً الى هذا الأمر. فالإعلام السوري يواجه ماكينات اعلامية متخصصة في صناعة الاعلام حيث بإمكان هذه الماكينات على سبيل المثال ان تصنع جريمة قتل حيث لا يوجد قتل".
عبيد يشير إلى "أن بث معارضي النظام للصور المرتجة والتي لا تعطي مشهدا واضحاً، هو من الأساليب التي تمارسها بعض المحطات مثل الجزيرة والعربية
والـ " بي.بي.سي" كما إن هذه المحطات تمارس حربها على سوريا من خلال طريقة طرح السؤال وتغليب الأسئلة الموجهة والاصرار على إعادة طرح الاسئلة حول احداث تم التأكد انها كاذبة ولم تحدث".
ويقول عبيد "ان الذين يمارسون القصف الاعلامي على سوريا يعرفون ان المظاهرات هي اللعبة المضادة لقوانين الاستقرار السياسي وهذا المشهد هو الذي يريدون تصديره الى الخارج وهنا يأتي دور ال zoom in و ال zoom out في عملية تضخيم وتكبير حجم المظاهرات" معتبراً "أن الفكرة ليست بالتقنيات بحد ذاتها بل بالاستهداف الذي يقف وراء استعمال هذه التقنيات". ويرى عبيد "أن قانون الاعلام السوري الجديد يشكل خطوة الى الامام لكن العبرة تبقى في التطبيق" مشيراً الى "تطور في اداء الاعلام السوري الداخلي بعد فترة تخبط في البداية حيث أصبح اكثر تسليطا للكاميرا على الحدث. واصبحت لديه قدرة اكبر على معالجة الاخبار المغرضة ودحضها، في مواجهة اعلام هدفه خلق مشكلة للداخل السوري وليس تسليط الضوء على مشكلة".
الاستاذ في كلية الاعلام في الجامعة اللبنانية الدكتور علي رمال يبدأ من القول "ان الفضائيات العربية استفادت من المصداقية التي تمتعت بها في تغطية الحراك الذي جرى في مصر وتونس. لكن مع المشهد السوري اختلف التعاطي فهو لم يكن على خلفية اعلامية فقط بل كان على خلفية الموقف السياسي الذي يحكم ملكية كل محطة وتوجهاتها". رمال يقول "ان ما يجري في المشهد الاعلامي السوري من قبل بعض وسائل الاعلام العربي والعالمي هو تضخيم وتحشيد للحدث. فمثلا يتم تصوير مظاهرة تضم عشرات المواطنين مقابل ذلك تعرض مشاهد لعشرات الدبابات. وذلك بهدف ترك انطباع أنه لولا وجود هذه الدبابات في الشارع لكانت اعداد المتظاهرين أكبر بكثير من ذلك. ثم يستتبع هذا المشهد بأفلام مصورة عن حالات تعذيب وقتل وكل ذلك ينسب الى طرف واحد لأن الموقف من هذا الحدث يقتضي ذلك. كل ذلك يأتي في اطار التمهيد للموقف السياسي الذي هو يقف مباشرة خلف الموقف الاعلامي".
رمال يرى "ان هذا الضخ الاعلامي من قبل الوسائل الإعلامية المعادية للنظام السوري الهدف منه تقديم الدعم النفسي للمحتجين على النظام من جهة كما إنه يمثل الامتداد الخارجي لتعبئة الرأي العام الداخلي والخارجي ضد سوريا وخاصة فيما يتعلق ببث المشاهد ذات الطابع الانساني فعرض مشاهد عن اطلاق نار هنا وهناك لا تؤثر في الرأي العام الغربي بقدر ما تؤثر المشاهد التي يتم فيها تدبيج صور عن اطفال ونساء قتلو أو جرحوا مع ما يرافق الصور من كلام حول ظروف موتهم" ويضيف قائلا: "ان الذي يراقب مشهد المظاهرات يلاحظ انه دائماً توجد يافطات مرفوعة عليها عبارات شكر لوسائل اعلامية معينة وهذا يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول دور هذه المحطات فيما يجري في سوريا. اذا ان هذه المحطات تمثل المرآة النفسية للمتظاهرين الى الخارج. وهذا كله يصب في اطار توسل التدخل الخارجي في الشؤون السورية. اذ ان هذه المحطات تحاول أن تشن حرباً نفسية على الموالين للنظام من خلال البث الدائم لصور قادة الانظمة العربية الذين سقطوا مؤخراً وذلك بهدف احباط الموالين من خلال القول "إن النظام السوري سقوطه آت لا محالة وذلك بهدف تدمير الثقة بالنظام وبكل قرارات الاصلاح التي يتخذها".
شام نيوز. الانتقاد