الحريري: أتأسف لتوقف جسر الحل السوري السعودي... ولن ننزل إلى الشارع

وجّه رئيس مجلس الوزراء لتصريف الأعمال سعد الحريري كلمة إلى اللبنانيين قال فيها: "قبل حوالي ست سنوات، حملتني الأقدار إلى الحياة السياسية اللبنانية، وما كان لهذا الأمر أن يحصل وأن أقف متحدثاً إليكم اليوم وإلى كل الأشقاء والأصدقاء في العالم، لو لم تكن هناك جريمة ارهابية أودت بحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقة الأبرار. ولقد اتخذتُ مع العائلة قراراً بخوض هذا المعترك بهدف العمل على خطين: خط المحافظة على الإرث الوطني للرئيس الشهيد رفيق الحريري ومنع الجهات التي خططت للجريمة من تحقيق اهدافها بإقتلاع حالة رفيق الحريري من الحياة الوطنية اللبنانية، وخط الوصول الى الحقيقة وتحقيق العدالة في جريمة الإغتيال الارهابية وسائر الجرائم السياسية التي طاولت العديد من قيادات لبنان ورموزه الفكرية والإعلامية والعسكرية".
وأكّد الحريري أن "المحافظة على الإرث الوطني للرئيس الشهيد، لا يقل شأناً عن التزام قضية العدالة، بل هما عنوانان لقضية واحدة، إسمها حماية لبنان"، مضيفاً: "هي القضية التي نذرتُ نفسي للدفاع عنها، وأقسمت امام الله سبحانه وتعالى وأمام جميع اللبنانيين أنني لن أتخلّى عنها، مهما تبدّلت الظروف وتعاظمت التحديات، واليوم نحن امام منعطف مصيري جديد في تاريخ لبنان، وقد سبق لي ان اعلنت قبل عشرة ايام أن كرامة أهلي وأبناء وطني هي عندي اغلى من اي موقع وسلطة، وهذا ليس مجرد موقف للإستهلاك السياسي او العاطفي، لأنه في اساس قناعاتي الوطنية وفي اساس التربية التي نشأت عليها والتي تدفعني الى تجديد هذا العهد امام جميع اللبنانيين".
وإذ شدّد الحريري على أن "نقطة دم واحدة تسقط من اي لبناني، هي اغلى من كل مواقع السلطة"، أكّد أن "لا سلطة يمكن ان تعلو على التزام عهود العيش المشترك بين اللبنانيين وعلى التمسك بالنظام الديموقراطي البرلماني سبيلاً لتنظيم العلاقات بين المجموعات اللبنانية"، منبهاً إلى أن "لبنان يقف أمام منعطف مصيري وهذا يعني أن علينا أن نحدّد الإختيار في أي وجهة يجب أن نتحرك وفي اي إتجاه نتحمل مسؤولية السير بلبنان".
وتابع الحريري: "نحن قيادات لبنان، السياسية والروحية، نملك بأيدينا المصير الذي سيذهب اليه لبنان، وليس صحيحاً على الإطلاق إن مخططات الخارج هي التي ترسم لنا خريطة الطريق الى الهاوية، بل إذا قررت قيادات لبنان أن يتحرك الوطن نحو الهاوية، فإن الوطن سيقع حتماً في هذه الحفرة، وإذا ما قررت قيادات لبنان أن تنأى بالوطن عن الهاوية، فإن لبنان سيبقى على بر الأمان. ولعبة الشارع وإستخدام الشارع والتهديد بالشارع هذه لعبة لا تمت إلى تربيتنا الوطنية بأي صلة".
الحريري جدّد موقفه بـ"عدم الذهاب للشارع لأنه في الأساس إخترنا الذهاب الى المؤسسات"، وقال: "لن نلجأ الى سياسة الويل والثبور وعظائم الأمور، لأننا اخترنا في الأساس الإحتكام الى الدستور، ولا ضيم علينا، في ان نتقبل النتائج السياسية لأي مسار ديموقراطي حتى ولو كانت هذه النتائج تحصل بفعل موجات متتالية من الضغوط". وأوضح الحريري: "لقد جاهدت على مدى الشهور الماضية، والله على ما أقول شهيد، في سبيل درء الفتنة عن لبنان سواء بالكلمة الطيبة أو بالممارسة السياسية المسؤولة، واخترت سلوك الطريق، الذي إختاره خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، منذ قمة الكويت قبل عامين، وقدمت المبادرة تلو المبادرة، والتضحية تلو التضحية، ووجدت في المساعي المشتركة للمملكة العربية السعودية وسوريا، سبيلاً لخروج لبنان من نفق التجاذبات السياسية والمذهبية، وجسراً للعبور نحو مرحلة جديدة في علاقاتنا الوطنية"، معرباً عن اسفه الشديد في المقابل عن "توقف العبور على هذا الجسر". وأردف: "إنتقلنا الى مرحلة جديدة من المساعي الأخوية والصديقة المشكورة، ارتكزت الى جهود قام بها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، ثم الى التحرك المشترك، لكل من صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني امير دولة قطر، ودولة رئيس الحكومة التركية السيد رجب طيب اردوغان ومباركة خادم الحرمين الشريفين، ولقد أُتيح لكل اللبنانيين والأشقاء العرب أن يكونوا على بيّنة من هذا التحرك الذي بدأ في دمشق وأعاد انتاج حركة دبلوماسية جديدة على قاعدة الإلتزامات التي توصلت اليها المساعي السعودية - السورية، فكانت الزيارة المشتركة التي قام بها الى بيروت كل من دولة رئيس الحكومة القطري الأخ الشيخ حمد بن جاسم ومعالي وزير خارجية تركيا الأخ احمد داوود أوغلو".
وفي هذا السياق، أكمل الحريري كلمته قائلاً: "الأمانة تفرض أن نصارح اللبنانيين جميعاً، وليس فئة واحدة او جهة سياسية واحدة من اللبنانيين فحسب، والأمانة تُوجب أن أتوجّه إلى الجميع من كل الأطياف والإتجاهات، لأقول لقد إرتقينا في تعاملنا مع كل المساعي، لا سيما المساعي السعودية - السورية، ثم مع الجهود التركية - القطرية، إرتقينا الى مستوى الشهادة الكبرى التي يمثلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا يعني أنني قررت الدخول في التسوية الى أبعد مدى ممكن، وأنني تجاوبت مع توجهات خادم الحرمين الشريفين، والتزمت كامل البنود التي توصلت إليها الجهود القطرية - التركية المشتركة للحفاظ على العيش المشترك". وأردف الحريري: "لكن مرة جديدة يتوقف قطار الحل بفعل فاعل، ويعودون مع ساعات الفجر، لإبلاغ الموفدين القطري والتركي بمطلب واحد لا ثانٍ له: غير مقبول عودة سعد الحريري الى رئاسة الحكومة. ركنوا بنود الحل جانباً، ولم يتقدموا بأي ملاحظة او اي تعليق، وطالبوا فقط بإقصاء سعد الحريري عن التكليف برئاسة الحكومة".
وعاد الحريري بالذاكرة إلى "تجربة العام 1998"، وقال: "اللبنانيون يتذكروا الحملة السوداء التي إستهدفت الرئيس الشهيد رفيق الحريري وتلك الأبواق التي إندلعت لتنادي بإقتلاع رفيق الحريري من السلطة"، معتبراً أن "المشهد يتكرر هذه الأيام، والأبواق التي كانت، عادت هي ذاتها، ومعها جهات أعماها الجموح الى السلطة، والهدف من كل ذلك واحد: محاكمة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وإخراج سعد الحريري من المعادلة الوطنية والإعلان عن إغتياله سياسياً". وقال الحريري: "لا أشعر في هذه الساعات إننا امام حائط مسدود، بل خلاف ذلك أشعر ان المسؤولية الوطنية توجب عليّ العمل على إيجاد ثغرة كبيرة في هذا الحائط المسدود، وإذا كان المطلوب إبعاد سعد الحريري عن رئاسة الحكومة، فلا بأس، هناك مسار دستوري نرتضي اي نتائج يمكن ان تنشأ عنه بغض النظر عن مناخات الترهيب التي تحيط بهذا المسار في الشارع وغير الشارع، ونحن سنذهب إلى الإستشارات النيابية التي سيجريها فخامة رئيس الجمهورية يوم الإثنين المقبل، بإذن الله، وسندلي برأينا وفقاً للأصول، ملتزماً بترشيحي لرئاسة الحكومة من كتلة نواب المستقبل وسائر الحلفاء"، مشدداً على أن "المهم بالنسبة إليه أن يكون الإحتكام الى الدستور والمؤسسات الدستورية، قاعدة يعمل بموجبها الجميع، وإلا يكون هناك صيف وشتاء على سطح واحد، فتصبح العملية الديموقراطية رهينة لإرادة الشارع".
وإستعاد الحريري الفترة عندما "في الثالثة من العمر وإندلعت الحرب الأهلية في لبنان"، وأضاف: "أنا الآن في سن الأربعين، ما يعني انني عشت 37 سنة من عمري أي 90 في المئة من هذا العمر في وطن يتأرجح بين الحرب والسلام، بين الإنقسام والوحدة، وبين الأمان والقلق، واليوم أستعيد هذه المسيرة وأرى نفسي في كل شباب وشابات لبنان، أتطلع للخلاص من هذه المحنة التاريخية، التي طاولت بيوت ومناطق وطوائف جميع اللبنانيين دون إستثناء، ورافقت في خلالها أباً جاهد في سبيل تقدم وطنه وأمته، وواجهت من موقعي في العمل السياسي ظروفاً وتحديات ومتغيرات تشبه الى حد كبير، تلك التي واجهت والدي الرئيس الشهيد، وحملته في غير مناسبة وموقع، على إعلاء شأن العقل، وتحكيم المصلحة العامة على المصالح الشخصية الضيقة. إننا ننتمي الى مدرسة وطنية وسياسية وأخلاقية، اسمها مدرسة رفيق الحريري، التي اختارت في احلك ساعات الغضب ان تقفل طريق الثأر والإنتقام، وان تسلك طريق الحقيقة والعدالة. رفيق الحريري، تعرفونه جيداً فتىً عربي الأحلام، تدرج في حقول النجاح الوطني والقومي والإنساني، ولمع في ميادين الإقتصاد والإعمار والسياسة، فترك أثراً طيباً في العمل العربي المشترك، وأطلق حيوية كبرى في الحياة الوطنية اللبنانية، الى ان اختاره الله سبحانه وتعالى، شهيداً في سبيل امته ووطنه وكرامة شعبه، رفض لعبة الدم في السلطة وخارج السلطة، ووهب عمره لقضية السلام في وطنه فصارع الحرب الأهلية حتى صرعها بهمة الأشقاء والشركاء في الوطن من خلال إتفاق الطائف، ورسم بعد ذلك خريطة الطريق لتجديد الثقة بلبنان وإعادته الى موقعه الطبيعي في العالم".
ولفت الحريري إلى أنه مع إغتيال الرئيس رفيق الحريري ومن معه "إغتالوا من بعده نخبة من رجال لبنان، لكنهم لم يتمكنوا من إغتيال روح العيش المشترك بين اللبنانيين لأن دماء رفيق الحريري، لم تكن ولن تكون، حقلا تشتعل فيه صيغة الوفاق الوطني، ولأن قضية رفيق الحريري لن تكون، عاصفة يغامرون من خلالها بمصير لبنان. والفتنة، ليست هي الثمن المطلوب للحقيقة والعدالة. لعن الله الفتنة ومن يوقظها ويتسبب بها". وأكّد الحريري "اننا لم نقطع كل هذه المسافة، ولم نقدم كل هذه التضحيات ولم نتصدر واجهة العمل لإعمار البلد، وندعم اسس النمو الإقتصادي والإجتماعي، وصمود لبنان وشعبه في وجه العدو الإسرائيلي، كي نسلم كل هذه المكاسب الى الفتنة"، معتبراً أن "نظامنا السياسي، القائم على تداول السلطة وصيغة العيش المشترك، لا يعني شيئاً، ولن يعني شيئاً إذا سلمنا مستقبل اولادنا لمزيد من النزاعات والحروب. نحن امناء على مسيرة وطنية، سنبقى بإذن الله، اوفياء لها ولشهدائها الأبرار. سنبقى اوفياء لوحدة لبنان وعروبته، وكرامة شعبه، وستبقى اولويات الناس الإجتماعية والإقتصادية والإنمائية في صدارة إهتمامنا، سواء كنا في السلطة او خارج السلطة".
وختم الحريري بالقول: "لن نتخلى عن مسؤولياتنا وواجباتنا، لا في المجلس النيابي، ولا في الحياة السياسية ولا في تيار "المستقبل" ولا في العمل مع كل الأصدقاء والحلفاء، في سبيل العبور نحو دولة متقدمة وحديثة، سيدة عربية حرة ومستقلة، وإن الظلم لن يمنعني عن مواصلة المسيرة طالما اراد الله سبحانه وتعالى لي ان اواصل العمل بها"، مستشهداً بالآية القرآنية: "ولا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".