الحزب الذي خدع نفسه

 

يدفعنا الحزب الوطني الديمقراطي إلى حافة الجنون.. فهذا الأداء الذي يمارس به السياسة، يتسم بكل شيء وعكسه.. هو حزب طموح جدا، لكنه فاقد للأهلية!!.. هو حزب يمتلك منهجا ومعرفة وتطورا وحداثة، يصر على تغليفها بالعشوائية والارتجال.. هو حزب يتكلم رموزه- المتنافرون وغير المتجانسين- بصرامة وحسم، وعند الممارسة تكتشف ترهلا غير طبيعي كما لو كان قطا نزعنا مخالبه.. هو حزب امتلك قدرة على أن يتقدم للأمام، بقدر ما يرجع للخلف في اللحظة ذاتها.. هو حزب نجح في تجديد شبابه، ورفض خلع الطربوش الأحمر!!

أكثر من عام مضى شغلنا الحزب الوطني بممارسته الديمقراطية عند القاعدة.. استورد نظام المجمع الانتخابي.. نجح في استنفار كل قواه وأعضائه.. أجرى انتخابات لا يعرف أحد نتائجها.. فتلك أول مرة نراقب ونرصد ونتابع انتخابات سرية.. ثم حدثنا عن استطلاع الرأى وتقارير أهل الثقة فيمن سيطرحهم على الرأى العام لانتخابات مجلس الشعب.. وعلى طريقة الأفلام في هوليوود أعلن نتائج عمل شاق وطويل.. فوجئنا بأن كل المقدمات الصحيحة تظهر لها نتائج خطأ ومريبة!!..

لا يمكن أن يكون الطباخ الذي تولى إعداد تلك الوجبة، هو ذاته الذي زينها بالسم ليموت من يأكلها!!

منهج الحزب الوطنى الديمقراطي قبل الإصلاح كان يستند إلى الركود والاعتماد على تحقيق ما يريد، دونما احترام للرأى العام.. بعد أن ظهر تيار الإصلاح داخله نسمع كلاماً محترماً، ونرى مؤتمرات ولقاءات يمكن أن تأخذنا إلى سماء الديمقراطية.. وينتهي الأمر إلى قرارات على طريقة الاتحاد الاشتراكي العربى، طيب الله ثراه!!

حدثنا الحزب الوطني الديمقراطي، عن المرشح الواحد للمقعد الواحد.. جاءت النتيجة باثنين وثلاثة، بل أربعة مرشحين للمقعد الواحد.. حدثنا عن وجوه جديدة قادرة على التفاعل مع الشارع.. فكان المشهد المأساوي في دائرة الباجور!!..

وللتوضيح أؤكد كل التقدير والاحترام لتاريخ الأستاذ «كمال الشاذلي».. لكن التاريخ لا يغير حاضرا ولا يصنع مستقبلا.. وأستأنف الفكرة للتأكيد على أن الحزب الوطني الديمقراطي دخل مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني.. فهو تجاوز مرحلة خداع الجماهير إلى خداع نفسه!!

كلما شعرنا بأن هذا الحزب يمكن أن يتطور، ضبطناه متلبسا بالسير محلك سر.. تفسر ذلك الأصابع الخفية داخله، التي تنصّب كل ضعيف وسفيه مسؤولا فى المواقع التنفيذية- إلا قليلا- وبالتالي يصبح اختياره لمن يراهم نوابا للأمة على قدر الضعف ومحدودية الفهم والفكر للجهاز التنفيذي.. أي أنه حزب يسعى إلى تصغير كل شىء.. واختصار أي شىء، ليؤكد داخلنا أننا لا شىء.. ثم يستمتع بصدي جرائمه، عبر وسائل الإعلام..

فهذا حزب فتح باب الحرية ليتكلم الناس.. فوجئ بأن الناس يصرخون.. تركهم يفعلون ما شاءوا بحناجرهم عبر الفضائيات وفي الصحف وفي الشارع.. أنهك قوى «الشعب المصري الشقيق»، ثم دخل معه فى جدل حول جريمة الإعلام بأن جعل كل شىء أسود.. لا أنكر إطلاقا على الحزب الوطني الديمقراطي وحكوماته المتعاقبة أنهم صنعوا إنجازات عظيمة وكبيرة.. نعم تمددت المدن من القاهرة وحول الوادي الضيق وفي محافظات الوجه القبلي.. فقد ظهرت عشرات المدن الجديدة، لكنها جميعا تحولت إلى مأوى للبشر دون خدمات تليق بالحداثة والحياة الإنسانية الكريمة.. نعم الحكومات بذلت جهدا كبيرا لتطوير وسائل النقل، وأبدعت في عدد كوارث القطارات وتعطل مترو الأنفاق، مع الموتى على الأسفلت واختناق المرور يوميا..

وفي مجال الصحة، أنفقوا المليارات على العلاج على نفقة الدولة في الداخل والخارج، دون تطوير حقيقي للمستشفيات التي تركها لهم عهدا عبد الناصر والسادات.. وهناك استثناءات واضحة.. قدمت العمل مكتملا متميزا بالتجويد والإبداع.. أذكر منها حالة وزير الطيران، الذي نقل مصر بمطاراتها إلى آفاق القرن الحادي والعشرين.. وهناك عدد قليل من المحافظين المتميزين يتقدمهم الدكتور «فتحي البرادعي» في دمياط.. و«سمير فرج» في الأقصر.. ومن لديه إضافة أقبل ما يقدمه إن كان يملك برهانا!!..

فهذا هو الحزب الوطنى الديمقراطي.. الشباب جدا، تعرقل طموحاته عصىّ ترفض أن تسير العجلة.. هذا ما يقوله الناس الذين ينحازون إلى الرئيس «حسني مبارك».. فهم يملكون الوعي والقدرة على فهم تلك الصورة السريالية.. أما الذين لا يفهمون فقد ذهبوا إلى حال سبيلهم، معتقدين أنه سيأتي يوم نعلم فيه حقيقة انتهاء كل مقدمة صحيحة إلى النتيجة الخطأ!!

  

نصر القفاص - المصري اليوم