الحلم الفرنسي العتيق ..

د. اسكندر لوقا
حين يحاول أحدنا قراءة أية صفحة من صفحات تاريخ سورية المعاصر ، لا بدّ أن يستوقفه نبأ يمكن أن يشكل إسقاطا على ما يحدث اليوم . على سبيل المثال ، فقد أقدمت مديرية المطبوعات الفرنسية بتاريخ التاسع من شهر آب عام 1920 ، أقدمت على نشر بلاغ موجه إلى السوريين عموما جاء فيه بالحرف " إن القوات الفرنسية لم تدخل سورية لتخرج منها . إن فرنسا لن تتساهل في هذه المسألة . وليتذكر الجميع جملة الجنرال غورو الشهيرة على قبر صلاح الدين : ها قد عدنا يا صلاح الدين " !
إن قراءة نبأ كهذا ، وتحديدا في أيامنا هذه ، حيث تحاك المؤامرات حول سورية بغية إعاقة مسارها باتجاه النهوض بمرافقها ومؤسساتها كافة إلى حيث طموح مواطنيها ، لا بد أن تحمل القارئ على التساؤل : لماذا هذا التكالب الفرنسي على سورية ؟ ولماذا هي اتخذت موقف مؤازرة أصحاب النوايا الخبيثة وفي مقدمهم إدارة الرئيس أوباما وحلفاؤه في كل من لندن وبرلين وروما وسوى ذلك من بعض عواصم أوربية وأخرى من عواصم العالم العربي وصولا إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية ؟
من الطبيعي أن يستوحي قارئ النبأ شيئا له دلالته في سياق هذه المحنة التي تحاول أن تطبق على سورية من جهاتها الأربع . ومن الطبيعي أن يعيد اعتقاده بأن زمن الاستعمار الفرنسي لبلادنا وإن يكن قد ولى إلى غير رجعة ، ولكن أبناء وأحفاد المستعمرين الفرنسيين القدامى ما زالوا يحلمون بأن عودتهم إلى موقع قبر صلاح الدين ليرددوا صيحة الجنرال غورو مجددا ممكنة .
ويتناسى هؤلاء الأبناء والأحفاد أن زمن الاستعمار بات حلما في رؤوس الذين يعيشون أمسهم في حاضرهم وأن التاريخ لم يعد قادرا على إعادة نفسه على حدّ ترديد العبارة التي تبشّر بهذه العودة بين الحين والحين .
إن صرخة الجنرال غورو هي وجه من وجوه الدوافع التي ينطلق منها قادة فرنسا في الوقت الحالي ، لإقناع مواطنيهم بأنهم ما زالوا القبضة القادرة على الإمساك بمقدرات الشعوب الأخرى ، بحجة حاجتها إلى بلوغ سن الرشد ، وذلك على غرار خداع أنفسهم سنة فرض الانتداب على سورية في عشرينات القرن الماضي في سياق التآمر عليها وعلى الأمة العربية عموما إبان وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها في المنطقة .
ولا يدري أحدنا كيف يمكن لبلد يدعي أنه بلد الإخاء والمساواة ، البلد الذي أسقط سجن الباستيل رمز الظلم والطغيان في العام 1789 ، كيف يمكن أن ينقلب على نفسه خدمة لمصالح قوى الظلم والطغيان في العصر الحديث . تلك هي صورة من صور الأحلام والمفارقات التي تدين المستعمر في أي زمان وفي أي مكان .