الحوار… بعيداً عن الدماء..

الأب الياس زحلاوي - تشرين
لكل مَنْ يسلّم بوجود مؤامرة خارجية ضد سورية، أيّاً كان حجمها، وأيّاً كان مخططوها ومنفّذوها والمستفيدون منها…
ولكل مَنْ يرفض وجود أي مؤامرة، ويجد مختلف التفسيرات لما يحدث في الداخل السوري، من صراع فكري أو سياسي أو اجتماعي، ومن سفك دماء مروّع…
ولكل مَنْ يريد أن يتجاهل السعي المحموم للغرب الأميركي والأوروبي، ومن ورائهما إسرائيل، ما بين هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن في نيويورك، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، من أجل استصدار قرار يجيز التدخل العسكري المباشر ضد سورية…
ولكل مَنْ ينظر بشيء من الحيرة أو الريبة، إلى مؤتمرات، أقله المؤتمرات المعارضة الظاهرة للعيان، في باريس، بقيادة الجنرال الصهيوني، «الفيلسوف» الفرنسي، برنار هنري ليفي، وفي انطاليا واستنبول في تركيا…
لجميع هؤلاء وأولئك، أودّ أن أقول: تذكّروا!
أجل، إذا ما شاهدتم السفير الأميركي أو الفرنسي، في مدينة حماة، أو في سواها من المدن أو القرى السورية… تذكّروا!
…تذكّروا الصفعة التي وجّهها حاكم الجزائر إلى مبعوث الحكومة الفرنسية، الذي تعمّد إهانته في قصره وأمام قادته، عام 1830، وما أعقب تلك الصفعة من ذريعة قذرة لاحتلال فرنسا للجزائر، احتلالاًً دام 130 عاماً!
…تذكّروا الجنرال الفرنسي غورو، الذي دخل دمشق عنوةً عام 1920، إثر معركة ميسلون، ليفرض عليها الانتداب الهادف إلى تقسيم سورية منذ ذلك الحين، والذي تعمّد أن تكون زيارته الأولى في دمشق، إلى ضريح صلاح الدين الأيوبي، ليقول له بكل قحة: «ها قد عدنا!».
… تذكّروا قرار تقسيم فلسطين، الصادر عام 1947، عن هيئة الأمم المتحدة، إثر تصويت مكرّر، ولكن بعد أن تمّ فيه، وفق اعتراف «المؤرخين الإسرائيليين الجدد»، شراء معظم الأصوات، بما فيها صوت فرنسا!
… تذكّروا العدوان الثلاثي على مصر، الذي شنّته إسرائيل وفرنسا، وبريطانيا، في تشرين الأول عام 1956، ردّاً على تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس، وما سبقه وأعقبه من إنشاء مركز ديمونا النووي، بمساعدة فرنسا وبريطانيا معاً…
…تذكّروا الجسر الجوي، الذي أقامته الولايات المتحدة الأميركية، إبان حرب تشرين عام 1973، إنقاذاً لإسرائيل، وحفاظاً على أمنها وبقائها قويةً متفوقةً، في قلب العالم العربي…
…تذكّروا الحرب الأممية التي دعت إليها ورعتها الولايات المتحدة الأميركية، على العراق، إثر اجتياحه الكويت في الثاني من آب عام 1990، وبتحريض غير مباشر من سفيرة الولايات المتحدة لصدام حسين نفسه، عشية الاجتياح بالذات…
…تذكّروا اعتراف وزير الخارجية الأميركية كولن باول، أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بكذبه المتكرّر يوم 5 شباط 2003، بشأن وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، ليسوّغ اجتياح هذا البلد، وتدميره وتقسيمه ونهبه…
…تذكّروا تذرّع إسرائيل باختطاف حزب الله اثنين من جنودها، خلال شهر حزيران من عام 2006، لتشنّ حرباً على لبنان، رجت منها القضاء على المقاومة اللبنانية، فكان ما كان، ثم اعترفت، منذ أيام فقط، بأنها كانت قد أعدّت لها منذ عام 2000.
…تذكّروا سعي الغرب المحموم منذ عشرات السنين، بتحريض من إسرائيل، لتضييق الخناق على إيران، وزعزعة الأمن فيها، وتصعيد التهديد المتواصل عليها، حتى جاء يوم لم تتورع فيه السيدة هيلاري كلينتون، خلال حملتها الانتخابية للرئاسة الأميركية، عن التصريح علناً بأن «إيران ستُمحى من الوجود، لحظة تطلق أول صاروخ على إسرائيل!».
…تذكّروا «قلق» الغرب المفرط، على حقوق الإنسان في ليبيا، ومسارعته إلى استصدار قرار يخوّله حق التدخل العسكري في ليبيا، من أجل «حماية حقوق الإنسان فيها»… وحقيقة ما يجري فيها اليوم من افتراس للناس وتدمير منتظم للبلد، بقصد تفتيته، والتهام ثرواته النفطية وسواها…
…تذكّروا أخيراً -وليس آخراً! - هرولة الغرب كله، المحمومة، ما بين الأمم المتحدة ومجلس الأمن في نيويورك، ومجلس حقوق الإنسان في جنيف، من أجل استصدار قرار يخوّله حق «حماية» حقوق الإنسان في سورية على الطريقة الليبية…
…تذكّروا كل ذلك، وأطيلوا التأمّل فيه، لأنه يرسم مسيرة الغرب كله، بتحكم مطلق من إسرائيل، حيال العالمين، العربي والإسلامي…
…تذكّروا كل ذلك، وأطيلوا التأمّل فيه، وحدّقوا فيما جرى ويجري من استباحة مطلقة ومتصاعدة، لجميع الحقوق، ولجميع الشعوب، العربية والإسلامية، ولما نجم وينجم وسينجم عن كل ذلك، من قتل ونهب وتشريد وتشويه وتزييف للوقائع والحقائق، ومن شحن هائل وغير مسبوق، لجميع الناس، في الشرق والغرب، والشمال والجنوب، بأكاذيب وأحقاد ونزوات ونزعات متطرفة، لا يستطيع أحد في الكون، أن يتصوّر التداعيات المدمرة، المترتبة عليها في المستقبل القريب والبعيد، على نطاق العالم بأسره…
…تذكّروا كل ذلك، وأطيلوا التأمّل فيه، وتساءلوا بصدق وجرأة، ما الذي يجعل هذا الغرب كله، بكل ما لديه من تجبّر وغطرسة، يقف، إزاء الصهيونية وعربدة إسرائيل منذ أكثر من ستين عاماً، لا صامتاً وخانعاً فحسب، بل باحثاً أبداً، في ذلّ وصغارة، عن كسب ودّهما الدائم، وعن توفير أفضل شروط البقاء لإسرائيل، وعن الذود عنها على وجه الدنيا، في غير حقّ، وعن الاستجابة لجميع مطالبها، أياً كانت، ومهما بلغت كلفتها من بشرية وسياسية واقتصادية ومالية وعسكرية؟
…تذكّروا كل ذلك، وأطيلوا التأمّل فيه، وتساءلوا معي، بجرأة وصدق، ما الذي ستجنيه سورية، فيما لو نجحت المؤامرة الخارجية، أو المعارضة الداخلية، في سياق المخطط السياسي العالمي الذي تهيمن عليه القوى الخاضعة خضوعاً أعمى للصهيونية العالمية؟
أخيراً، دعوني أتساءل:
أما كفانا، في العالمين العربي والإسلامي، دماءً وذلاًّ وضياعاً وموتاً ويأساً؟
أما آن الأوان لنقول إننا أبناء أرضٍ هي سورية، أعطت البشرية كلها، الحرف والفكر والحياة، فيجدر بنا تالياً أن نعطي أنفسنا فرصة اللقاء في حوار صادق، شامل، وجذري، يقودنا إلى بناء دولة عربية حديثة ومتطورة، تليق بأهلها وتنقذنا ممّا يُدبّر لنا، أو مما ندبّره لأنفسنا من حيث لا ندري، وتقدم للعرب أنموذجاً قد يغريهم بالاقتداء بها؟
الأب الياس زحلاوي - تشرين