الحياة - جهاد الخازن - (الرجال العرب، وأنا منهم، من جيلي فشلوا)

اقتراحي من وحي استطلاع عالمي عن المساواة بين الجنسين أجرته مؤسسة بيو، وشمل 22 دولة، بينها دول عربية وإسلامية، وأخرى تضم مسلمين كثيرين. وأظهر الاستطلاع أن أعلى نسبة معارضة للمساواة بين الجنسين هي في الدول العربية (باستثناء لبنان) والإسلامية.

أقترح أن تقودنا النساء من دون أن أضمن أن تقوم نساؤنا بمهمة أفضل مما يقوم به الرجال، إلا أنني أضمن بالمطلق أنهن لن يكنّ أسوأ من الرجال.

التاريخ المجيد المزعوم، تاريخ الرجال، ليس 1431 سنة بدءاً بالهجرة النبوية، وإنما هو في تقديري كطالب تاريخ 92 سنة هجرية، أي الفترة بين الهجرة النبوية وفتح الأندلس، فمنذ ذلك التاريخ ونحن نخسر من رأس المال.

والفترة المجيدة نفسها شهدت اغتيال ثلاثة من الخلفاء الراشدين، وقتل أحفاد رسول الله، واغتصاب الأمويين الحكم، وهم الذين أسلم كبيرهم عام فتح مكة المكرمة خوف السيف.

لن آخذ القارئ في سياحة عبر 14 قرناً وإنما أكتفي بالسنوات المئة الأخيرة، أي تاريخ ما فعلنا نحن وآباؤنا وأجدادنا.

المرأة العربية مقموعة ومهمشة، ولا فضل لها في نجاح نادر أو فشل غامر، فماذا فعل الرجال؟

الرجال ثاروا على الدولة العثمانية فلم يقيموا نظام حكم عربياً عادلاً مستقلاً، وإنما استبدلوا الاستعمار الأوروبي بدولة المسلمين.

وعندما ثاروا على الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي وغيره، واستقلوا تباعاً أقاموا أنظمة حكم أقل ديموقراطية مما وفّر الاستعمار للدول المستعمَرة.

الأنظمة شبه الديموقراطية التي قامت مباشرة بعد ذهاب الاستعمار سرعان ما خلفتها أنظمة ديكتاتورية. والاستعمار غاب ولم يغب، وجزمة العسكري الأجنبي خلفتها بنوك دولية تتحكم باقتصادنا مع مستقبلنا كله.

اليوم الدول العربية كافة غير ديموقراطية ومن دون حكم قانون مستقل، ولا محاسبة أو شفافية، ولا حقوق للمرأة أو مساواة.

إسرائيل لم تفعل هذا. الرجال فعلوا، ثم اتهموا إسرائيل وأميركا والشيطان الأكبر والأصغر والجن الأحمر، بل اتهموا نساءهم، فأول عمل للمرأة العربية أن تُحمَّل مسؤولية فشل الرجل.

هم خسروا كل حرب. خسروا فلسطين (ولا أنسى زنجبار). هذا واضح.

ما ليس واضحاً تماماً أنهم خسروا معركة الرقي خسارة كاملة.

أكتب وكل ما بيدي وحـــولي من صـــنع غير العرب، من مطـــبعة غوتنبـــرغ سنة 1440 الى الكومبيوتر المــحمول في أيامنا، وكل ما بينهما. قلم الحبر الناشف. السيارة. الطيارة. القطار. المطار. الورق. الكهرباء. مصانع الغزل والنسيج.

الرجال العرب في السنوات المئة الماضية، سنواتنا نحن وسنوات الآباء والأجداد، لم يساهموا بشيء في بناء صرح الحضارة العالمية... ربما باستثناء أن ينظر الأجانب الى ما نعمل ويقرروا أن هذا ما عليهم أن يتجنبوا عمله.

إسرائيل لم تحل دونهم وممارسة الديموقراطية، لم تمنعهم من بناء نظام تعليم عصري. لم تقنعهم ألا يعطوا المرأة، نصف الأمة، حقوقها. هم فعلوا.

(عبر مئة سنة كلها عجاف كان عندنا قادة سياسة وفكر مخلصون ملهمون، كما هناك اليوم، وقد حاولوا جميعاً أن يلحقوا بركب الحضارة، وبعضهم لا يزال يحاول، إلا أنني لا أعرف لماذا تخلّفنا عن الركب أصلاً، ولماذا نقضي العمر في اللهاث وراء ركب الآخرين).

الرجال العرب، وأنا منهم، من جيلي فشلوا. ضيعوا دينهم ودنياهم. ورحم الله خالد بن الوليد وقد أمره الخليفة أبو بكر الصدِّيق أن ينتظر وصول عيّاض بن غنم بعد وقعة أليس وتسليم الحيرة، بلد النعمان للمسلمين، فبقي سنة لا يفعل شيئاً وقال إنها «سنة نساء». تعال يا أبا سليمان وانظر كيف تكون «سنة الرجال» في الزمن الرديء.

كل عربي ينكر دوره في الفشل العام فاشل يزيد على الفشل الدجل والجهل يضاعفه بالعناد.

هذه هي الحقيقة ولا حقيقة غيرها، فأعود الى ما بدأت به وأقترح أن نُسلّم أمورنا الى نسائنا (أعرف رجلاً فعل، فبعد ولادة ابنتهما ياسمين قال لزوجته: «أنت اشتغلي وطعمينا، وأنا أهزّ لياسمينا»).

لماذا لا يجلس العربي في بيته، على كرسي هزاز، كرسي العواجيز، ويُسلّم أمره للنساء؟

الحياة - جهاد الخازن - 29 - 7 - 2010