الحياة - قمة الامال .. الصغيرة

انتهت القمة العربية في سرت كما بدأت من دون أي اختراق في الملفات الخلافية بين الدول العربية التي لجأت إلى الحل الذي اعتادته بترحيل المختلف عليه إلى القمة المقبلة، والاتفاق على صياغات توافقية لـ «بيان سرت» ترضي كل الذين شاركوا في القمة حتى لا يغادر المدينة الساحلية الليبية أي منهم وفي قلبه ما لا يرضيه. لا أدري من الذي أطلق عنوان «قمة الآمال الكبيرة» على لقاء الزعماء العرب في سرت؟ وهل كان هناك اتفاق على أن تحمل القمة هذا العنوان أم ان منظميها اختاروه، خصوصاً أن المتابعين للشأن العربي والمعايشين له يدركون تماماً أن الشعوب العربية لم تكن تحلم بآمال عريضة من القمة، وأن جدول أعمالها ذاته لم يتضمن بنوداً تتعلق بفتح عكا مثلاً، أو تحقيق التنمية الشاملة في الوطن العربي، وإنما حوى البنود ذاتها التي نوقشت في قمم عربية عقدت من قبل ولم يتحقق منها شيء، وأضيفت اليها بالطبع «المستجدات». ومعروف أن «مستجدات» العرب دائماً غير سارة ولا علاقة لها بالبهجة أو ما يدخل الفرح إلى قلوب شعوب الدول العربية.
ترسخ في أذهان الناس أنه لا توجد قمة يمكن أن تحقق آمال الشعوب العربية، وصار أهم ما في أي قمة هي تلك المصالحات التي قد تحدث بين زعيمين عربيين أو أكثر انقطعت بينهما الاتصالات أو اللقاءات نتيجة اختلافهما على موقف ما أو جملة في خطاب أو عبارة في حوار صحافي، وحتى تلك المصالحات تحولت في القمم العربية في السنوات الأخيرة إلى مصالحات شكلية «تهلل» لها وسائل الإعلام وتنشر صورها الصحف وتبث «لقطاتها» نشرات الأخبار وبرامج «التوك شو»، ثم يفاجأ الجميع بعدها بأن الأمر كان مجرد لقاء حول مائدة طعام أمام المصابيح والكشافات وأن التناقضات ظلت كما هي من دون أن تعالج.
كان الموضوع الرئيس أمام القمة الطارئة في سرت يتعلق بتطوير النظام العربي وانتهت القمة من دون أي تطوير وسيبقى النظام العربي كما هو حتى القمة المقبلة على رغم أنه مطروح منذ سنوات ويؤجل من قمة إلى أخرى ليبدو الأمر وكأن النظام العربي يرضى بأن يبقى على حاله من دون تطور. كما أن القمة التي كانت «طارئة» حملت هذه الصفة على رغم أن موعدها معروف منذ آذار (مارس) الماضي عندما حدد الموعد أثناء القمة العربية الدورية التي عقدت في سرت أيضاً في ذلك الشهر، ولأن التوافق العربي لا يلتئم حول مواضيع بعينها بينها مسألة تطوير النظام العربي أو آلية الجوار العربي، فإن لقاءً يجمع الزعماء العرب في ساعتين أو ثلاث أو حتى أربع لا يمكن أن يحل معضلات فرضتها المصالح أو المنافسة أو حسابات الكسب والخسارة.
المهم أن «إعلان سرت» كان أعد وجهز قبل أن يلتقي الزعماء ووزع مضمونه على متابعي القمة بعد اجتماع وزراء الخارجية الذي سبق القمة وانتظر البعض أن يقدم أي من الزعماء على طلب تغيير كلمة أو جملة أو عبارة فيه، ولكن ذلك لم يحدث. هل يعني ذلك أن القمم العربية صارت من دون جدوى وأن من الأفضل عدم عقدها؟ بالطبع لا، فاللقاءات الثنائية بين القادة العرب والحفاظ على صورة العرب متضامنين ولو شكلياً وحل بعض المعضلات ولو كانت بسيطة والظهور أمام العالم وكأن «لدى العرب قراراً» يملكونه كلها إيجابيات قد لا تصل إلى حد «الآمال الكبيرة». فإذا لم يعد أمام العرب غير الآمال الصغيرة فإن تحقيقها أفضل من لا شيء.
الحياة - محمد صلاح