الحياة - محمد صلاح - الطريق الدائري العربي

هل لدى العرب أي خيار آخر للتعامل مع إسرائيل غير الطريق الذي يسيرون فيه الآن؟ بكل صراحة لا، فهم لا يملكون من أمر أنفسهم شيئاً، وعلى ذلك كان من الطبيعي أن تدك الصواريخ الإسرائيلية قطاع غزة بعد ساعات قليلة من قرار مجلس الجامعة العربية بمنح الفلسطينيين ضوءاً أخضر للدخول في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل، علماً أن الكلام الوردي الذي طرحه العرب بعد قرار سابق بالموافقة على مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين لم يتحقق منه أي شيء، فلا المفاوضات غير المباشرة أدت إلى نتيجة تجعل من تحويلها إلى مفاوضات مباشرة تطوراً طبيعياً، أو خطوة منطقية بعد نجاح الخطوة الأولى، ولا إسرائيل غيرت من طريقة تعاطيها مع الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً بما يدفع العرب إلى منحها مكافآت بالدخول معها في مفاوضات مباشرة. لا يملك العرب طرقاً أخرى ليس لأنه لا يوجد طرق، ولكن لأنهم وضعوا أنفسهم في موقف لا يجعل لديهم قدرات للسير في مسارات محددة تحقق لهم الأهداف نفسها التي يسعون إلى تحقيقها وعجزوا دائماً عن الوصول إليها، هكذا وجد العرب أنفسهم يسيرون في طريق لن يصل بهم إلى شيء سوى القضاء على ما تبقى من آمال في حل عادل للقضية الفلسطينية. لا يسمح المجال لسرد وقائع التعنت الإسرائيلي ضد كل المبادرات العربية، فالأمر يحتاج إلى صفحات، لكن الواقعة الأخيرة مثيرة للدهشة والسخرية في آن؛ إذ كان العرب اشترطوا للدخول في مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين حدوث تقدم ما في المفاوضات غير مباشرة وعندما لم يحدث أي تقدم ومن دون أن تزول الأسباب التي دعت رئيس السلطة الفلسطينية إلى وقف مفاوضات أخرى مباشرة كانت تتم اعتمد العرب قرار المباشرة!! فكافأتهم إسرائيل بضربة جوية صاروخية على تضحياتهم واحتفاظهم بخيار السلام!! كل أسباب الاهتراء العربي معروفة، ولم يتغير منها شيء، ولا يبدو في الأفق أنها ستتغير في وقت قريب، وعلى ذلك فإن القضية الفلسطينية التي تتعقد خيوطها بمرور الوقت ليس هناك من أمل بكل صراحة في أن تجد حلاً طالما بقي العرب في هذا الطريق الذي لا يبدو له ملامح ولا نهاية. أما العبارات الإنشائية المكررة التي ترد في البيانات الرسمية لتبرير القرارات العربية لم تعد تثير اهتمام أحد في الشارع المصري الذي صار يتابع القضية الفلسطينية من دون اكتراث، لا لأنها لم تعد قضية مهمة، ولكن لعدم ثقته في قدرة النظام العربي في المرحلة الحالية على مواجهة إسرائيل حرباً أو سلماً، وكذلك لعجز هذا النظام عن العثور على طرق أخرى يسير فيها لحل القضية. هل يعتبر هذا الكلام إحباطاً؟ بالطبع نعم، لكن الواقع أكثر إحباطاً لكل الأطراف إلا إسرائيل التي تربح على طول الخط ومن دون أن تبذل جهوداً كبيرة، أو يمنحها العرب دائماً فرصاً لتكسب من دون أن تخوض معارك. هل يمكن أن يتغير الواقع لتكون المقالات والتعليقات والتحليلات متفائلة؟ نعم يمكن بكل تأكيد ولكن بمنتهى البساطة أو سهولة أو من دون الدخول في رهانات تطالب بتضحيات من النظام العربي هو غير قادر في هذه المرحلة على الدخول فيها. هل ستؤدي المفاوضات المباشرة الى أي نتيجة؟ نعم ستكون نتيجتها بكل تأكيد مكسباً جديداً لمصلحة إسرائيل وخسارة أخرى تضاف إلى خسائر العرب، ومن الآن نحن في انتظار قرار عربي بوقف التفاوض المباشر ثم قرار آخر بعدها باللجوء التي التفاوض غير المباشر... وهكذا طالما بقينا نحن العرب نسير في طريق دائري يصل بنا كل مرة الى النقطة التي كنا بدأنا بها
الحياة - محمد صلاح - 2 - 8 - 2010 .