الحياة الجديدة - الشحادون

 

شحدة وشحادة من الأسماء التي تستخدم لرد الحسد والعين عن المولود.. ودرجت العادة عندنا ان يسمى شحادة أو شحدة المولود الذي يأتي بعد دزينة بنات أو بعد عقم طويل أو ممن يموت مواليدهم مبكرا.

ولعل والدة العامل شحدة الذي استشهد أمس اثناء مطاردة قوات الاحتلال له عند محاولته اجتياز الجدار للوصول الى كسارة يعمل فيها مع آخرين من امثاله كانت تتمنى لابنها رد العين والحسد والعمر الطويل والعيش الرغد ولم تكن تتوقع موته بحثا عن لقمة العيش بهذه الطريقة المأساوية ويلتحق بالشهيد صالح كوازبة الذي سقط برصاص ضابط واعتذرنا للضابط في مقالة امس لان جوعنا حوله الى قاتل رغما عنه، فنحن الفلسطينيين الذين نعيش تحت الاحتلال منذ عقود طويلة لم نتعلم من الحضارة شيئا.. وما زلنا نجبر الاحتلال على ممارسة افعال اجرامية ضدنا وهي ليست من طبائع الاحتلال الوديع الذي يريد لنا العيش بكرامة تحت حرابه وجرافاته.

فالضابط الذي ربما جاء من اوكرانيا أو روسيا أو اثيوبيا انما جاء لتنظيم حياتنا وتسهيلها تحت الاحتلال ولكننا كغير حضاريين اجبرناه على اطلاق النار علينا وبكى واشتكى واخذ عقابا قاسيا بالاقامة المنزلية لمدة خمسة ايام ليرتاح من مشقة رعايتنا ومراقبتنا وتحضيرنا لنكون بمستواه المتطور.
إننا في خضم الملهاة السياسية الجارية ننسى ضروراتنا الحياتية وننسى جيوش العاطلين عن العمل، ولا نفكر في خلق فرص عمل هنا أو في الخارج فالاحتلال طالما يمارس قيوده علينا ويحول اقتصادنا الى اقتصاد تابع له ويعاملنا كسلطة ادارية لا سيادة لها على شيء على الارض وتحتها وفوقها مطالب وفق القانون الدولي بأن يوفر فرص عمل وخدمات طالما اننا تحت الاحتلال، فكلنا تحت الاحتلال سلطة وشعبا وارضا وقد ارتأى الاحتلال منذ بداية الانتفاضة الابقاء على السلطة لتقديم الخدمات الطبية والتعليمية والاجتماعية بدلا من تدميرها بالكامل لانه لا يريد تحمل اعباء الاحتلال المباشر.. وهو الآن يرفض التفاوض على انهاء الاحتلال وانما يريد تكريسه تفاوضيا فهو يعامل السلطة كدلة قائمة من الناحية الامنية لكنه يعاملنا كتابع معرض للسجن والقمع والقتل والنهب والاستيطان فيما يتعلق به.

ووضع كهذا وفي ظل اوضاع اقتصادية تتفاقم يوما بعد يوم ينذر بثورة الجياع على الضباع.. فما بعد هذا الضياع من ضياع، لأننا صرنا شحادين تحت الاحتلال ومصيرنا من مصير الشهيدين شحدة وكوازبة فلنختر مصيرا آخر ولنمت بطرق أخرى.

 

الحياة الجديدة - حافظ البرغوثي