الحياة الجديدة "الفلسطينية"- ذكرى حرب تشرين

اليوم تصادف الذكرى السابعة والثلاثون لحرب اكتوبر. وهي ذكرى عزيزة على شعوب الامة العربية عموما وشعوب المواجهة (مصر وسوريا وفلسطين والاردن ولبنان) خصوصا، وان كان لصناع تلك الملحمة من الجيشين المصري والسوري وجيش التحرير الفلسطيني وفدائيي فصائل العمل الوطني، الذين شاركوا في اجتراح ذلك النصر، الذي اعاد لضباط وصف ضباط وجنود تلك الجيوش الاعتبار، والمكانة التي يستحقون.
نعم وقعت اخطاء في تلك الحرب، غير ان الاخطاء لم تلغ الانجاز الرائع لملاحم الابطال من منتسبي تلك الجيوش العربية. واهمية استحضار تلك الانجازات في هذه اللحظة السياسية الحرجة من تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي تكمن في اعادة تذكير قادة الاحزاب الصهيونية المؤتلفة في حكم دولة الابرتهايد العنصرية الاسرائيلية بعبر تلك الحرب، لعلهم يستيقظون من سباتهم ونومهم على وسائد الغطرسة والاستعلاء العنصرية، ويتنبهوا لمخاطر المستقبل ان لم يستخلصوا العبر من تلك الحرب.
حرب اكتوبر 1973 شكلت نقطة تحول مهمة سياسيا وعسكريا في الصراع العربي - الصهيوني لجهة انها:
- اسقطت كليا من الاذهان سمة الجيش السوبر عن جيش الحرب والعدوان الاسرائيلي. مع ان معركة الكرامة في آذار 1968 وضعت اساسا لذلك الاستنتاج، الا ان حرب اكتوبر حسمتها كليا.
- اكدت الحرب كفاءة الجيوش العربية، وقدرتها العالية على تحقيق الانجازات العسكرية عندما تتوفر الارادة السياسية.
- وضعت الحرب مستقبل دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية على كف عفريت. وهزت ثقة اليهود في العالم وليس فقط في المجتمع الاسرائيلي بل بمستقبل الدولة والمشروع الكولونيالي الصهيوني. ودفعت القيادات الصهيونية للتوقف جليا امام شعار اسرائيل الكبرى (من النيل للفرات).
- ارغمت قادة جيش الاحتلال الاسرائيلي على اعادة النظر كليا في الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية. واسقطت من حساباتهم الضربة الاستباقية.
- اكدت الحرب امكانية التكامل بين الحرب الكلاسيكية وحرب الفدائيين اذا توفر القرار والارادة.
- كما اكدت الحرب على ضرورة تكامل الجبهات كلها، لان انعدام ذلك في زمن المعارك يترك اثارا سلبية على مسار الحرب وآفاقها. وهذا ما عكس نفسه سلبا لاحقا على الحرب.
- لا يجوز لأي قيادة سياسية ان تحدد مسبقا مدة وزمن الحرب. كما لا يجوز لها ان تسقط مع القيادات العسكرية من حساباتها امكانية حدوث تحولات دراماتيكية سلبية. كما اخطأت بعض القيادات العربية عندما اعلنت على الملأ عن عدم تمكنها من مواجهة اميركا (حتى لو كان ذلك صحيحا، وهو غير صحيح من حيث المبدأ) لأن ذلك له انعكاسات غير ايجابية على القوات المسلحة.
هذه وغيرها من دروس وعبر حرب اكتوبر تحتاج من حكومة نتنياهو اليمينية والقيادات الصهيونية من كافة الوان الطيف السياسي في اسرائيل التفكير مليا وجديا بمستقبل الدولة الاسرائيلية في حال استمرت في انتهاج خيار الاستيطان ومصادرة الاراضي الفلسطينية، وبالتالي تعطيل خيار التسوية والسلام في المنطقة. لانها بادارتها الظهر لخيار السلام، والتخندق في مستنقع الاستيطان ودفع الامور دفعا نحو خيار العنف والحرب، فانها تؤكد للدنيا كلها عدم تعلمها تلك الدروس، فضلا عن انها تضع المنطقة برمتها في فوهة بركان تتقد نيرانه تحت الرماد، وتهدد السلم العالمي برمته وليس في المنطقة فحسب.
الفرصة مؤاتية جدا لقيادة دولة الابرتهايد الاسرائيلية وهي لا تتكرر في التاريخ الا ان تلك القيادة تصر على اسقاط خيار السلام مع الفلسطينيين والعرب، لاسيما وانهم تقدموا بمبادرة السلام العربية منذ العام 2002، لكن القيادات الاسرائيلية تعاملت مع العرب عموما والفلسطينيين خصوصا بطريقة مشحونة بالغطرسة والعنصرية، وأهملت كليا مصالح شعوب المنطقة وعلى رأسها الشعب الاسرائيلي بالسلام والتعايش.
التاريخ يتحرك، ولن تتوقف عجلته ابدا عند نقطة محددة ولا موازين قوى بعينها. والقيادة الذكية هي تلك القيادة التي تغتنم الفرصة قبل فوات الاوان. ولعلها فرصة ان تراجع قيادات اسرائيل نفسها قبل فوات الاوان.
الحياة الجديدة - عادل عبد الرحمن