الحياة الجديدة "الفلسطينية" - طبيب سوري

مير كزكز، طبيب سوري يحمل الجنسية الألمانية، اعتاد بين فترة وأخرى خلال السنوات الماضية أن يأتي إلى قطاع غزة، أسرته وأقاربه يقيمون في سوريا، ولا قريب له في غزة ولم يصاهر أهلها، ينتظر إجازته ليحمل حقيبته الصغيرة عبر رحلة سفر مرهقة قاصداً غزة، يفضل أن يمضيها مع من هم بحاجة إليه في غزة، وبطبيعة الحال يكون ذلك على حساب أسرته الصغيرة في ألمانيا وأسرته الكبيرة في وطنه سوريا، لا يأتي إلى غزة سائحاً أو زائراً متضامناً مع أهلها في حصارهم، بل متطوعاً لتخفيف آلام مرضاها، يمضي فيها أياماً قلائل لا يلبث بعدها أن يعود أدراجه إلى حيث يعمل في ألمانيا، أياماً قليلة ولكنها كافية لمعالجة عشرات المرضى، لا يقبل أن يحل فيها ضيفاً على أحد، بل وجهته ومكان إقامته مستشفيات القطاع من شماله إلى جنوبه، يمضي جل وقته داخل غرف العمليات ويكاد لا يخلع « الروب الأخضر» عن جسده النحيف، خلال تواجده يخلد للراحة ساعات أقل بكثير مما ينصح به الأطباء، وكأنه قي سباق مع الزمن، وقائمة المرضى الطويلة التي تنتظره لا تتيح له الفرصة لالتقاط أنفاسه، في إحدى زياراته إلى غزة قبل بعد إلحاح كبير أن يتناول العشاء خارج المستشفى، ولكنه اشترط أن يكون على مقربة منها ولبضع دقائق فقط، جاء من غرفة العمليات مباشرة بعد أن فرغ من إجراء عملية جراحية لمريض، ليترك الطاقم تحضير المريض التالي، بعد دقائق معدودات غادرنا ليكمل سلسلة العمليات الجراحية المعدة له، تتغير الطواقم الطبية العاملة معه فيما هو يواصل عمله ليلاً ونهاراً، العاملون من حوله تنتابهم الدهشة من قدرة تحمله، والحقيقة أنه لم يأت إلى غزة ويقطع هذه المسافات كي يخلد للراحة والاستجمام، وإلا لكان بالتأكيد خياره غير غزة، ولكنه أفصح عبر حوار مقتضب عن سبب مجيئه المتكرر إليها، يقول بتواضع جم ان الله عز وجل لم يهبه من المال الكثير كي يتصدق منه على المحتاجين، ولكنه وهبه العلم والمعرفة، وواجبه أن يتصدق بجزء منها على من هم بحاجة إليها، وليس أحق من أهل غزة بها.
المشاعر الإنسانية والأخوية هي التي دفعت الطبيب السوري «سمير كزكز» للقدوم مراراً إلى غزة، ، ، وله ولأمثاله نرفع القبعة تقديراً واحتراماً سائلين المولى عز وجل أن يجعل عملهم في ميزان حسناتهم، ولكن كم هم عدد الأطباء الفلسطينيين الذي أبدعوا في عملهم خارج الوطن، أليس من واجب الوطن عليهم أن يردوا له شيئاً من الفضل والجميل، أو على أقل تقدير أن يصدقوا على أهلهم بشيء مما وهبهم الله؟، لو فعلوا ذلك لما كنا بحاجة إلى العلاج بالخارج الذي يستنزف منا الكثير، ناهيك عن رحلة الآلام التي يقطعها المريض ذهاباً وإياباً، هذا إن قدر له الحصول على الموافقات اللازمة الطبية والأمنية.
الحياة الجديدة - د.اسامة الفرا - 15 - 8 - 2010