الحياة كـ"عقد إلحاق".. رحلة في عوالم التخلي والبحث عن النجاة

شاميرام درويش - شام إف إم
حين تضعك الأقدار أن تلعب الحياة ضمن عقد إلحاق لن يكون أمامك الكثير من الحلول، ستمر بالكثير من المعارك مع المجتمع والذات، وستذهب إلى عوالم عديدة لتبحث عن جواب لسؤالك "ليش أنا هيك؟"، "هل أنا شخص لا يستحق الحب حتى أهلي تخلوا عني!"، ولكن اليوم وإن رغبنا بالإسقاط، يمكن أن نقول إن كل واحد منا يعيش عقد إلحاقه الخاص مع الحياة، فمنذ بداية ولادتك في هذا العالم تكون في تحدي العمر على أقل تقدير، لتجدد عاماً جديداً.
وإذا رغبنا بالغوص أكثر، يمكن القول إن كل فترة من حياة الإنسان، وخاصة إذ افترضنا أنها في سورية، بحاجة لعقود إلحاق مستمرة، شرط أن يتغلب على الظروف المحيطة، وعلى الصعوبات، أن يستطيع العثور على الحب، والنجاة من كل مواجهة يوضع فيها.
إلى ذاك العالم بالتحديد أخذتنا دراما "عقد إلحاق" للمخرج ورد حيدر، ومن كتابة ورشة كتاب أحمد أبو شقير ودعاء حرون وهدى بيرقدار، الذين فتحوا باب ملفات الأطفال مجهولي النسب، الذهان، الصدمات، اللجوء، وكل ما قد يدور في رأس مجموعة من الشباب يعيشون في هذه المدينة.
أخبار العثور على "أطفال" على أبواب المنازل حقيقة
لطالما كثرت خلال السنوات الأخيرة الأخبار المتعلقة بالعثور على أطفال يبلغون من العمر أياماً، أو حتى ساعات، متروكين على الأبواب، لحين أن تلتقفهم أيادٍ جديدة، من المؤكد أنها ليست من العائلة، وهنا تبدأ رحلة "مجهولي النسب" الذين يؤخذون إلى منزل خاص بهم، وقد يهربون منه، أو يبقون فيه.
وهنا في حكاية "ريما" لم تكن والدتها الحقيقية تتجاوز الـعشرينيات من عمرها على وجه التقدير، تركت قطعة منها على باب منزل مع ورقة تحمل اسمها، لتبدأ رحلتها الخاصة في الحياة.
وإن كنت "لقيطاً" سعيد الحظ ستحظى بعقد إلحاق، والذي تستطيع عائلة من خلاله أن تأخذك للعيش معها، على أن تجدد ذلك العقد كل عام، دون أن تنسى إخبار هذا الطفل بأنها ليست العائلة التي تنتمي إليها في حقيقتك، وهنا كانت الصدمة حين تخلت هذه العائلة عنها ودفعتها للعودة إلى حيث أتت "الميتم".
الخل الوفي الذي اختلقته "ريما".. حتى ذلك لم يكن حقيقة
من شدة وقع الحياة على "ريما" خلقت عالمها الخاص، الذي افترضت أنها تحتاج فيه إلى خل وفيّ على هيئة صديقة أهدتها القاعدة الأولى في حياتها "الإنكار"، حينما قررت أنّ ترديد كلمات تنفي وقوع ما يحصل معك، "ما أكلت لحمة"، حتى أصبحت تشكل خطراً على حياتها دفعها للتخلص من الماضي بحركة واحدة، فقررت أنو تودع "سارة" على سطح الميتم.
وهذا لم ينته هنا، فالأسرار تكثر مع السنوات، والمشاركة ضرورية، فخلقت "خلاً" جديداً لها، أطلقت عليها اسم "لمى" التي تؤدي دورها الفنانة نانسي خوري، والتي كانت تحمل الوجه الآخر لها، تقودها إلى القوة، التي كانت تفتقر إليها، تحدثها في أصعب الليالي، وتنصحها حتى، إلى أن جاء الوقت لتقلب الطاولة عليها وتتخلى عنها.
"كلكن تركتوني لحالي" هشاشة نفسية أخذتها إلى هنا
تجيد الفنانة دانة مارديني أن تتلاعب بك لدرجة أن تقنعك بالبكاء حتى، مع لحظة انكسارها واصطدامها بالواقع، وآخر أيدي النجاة التي مدتها لها الحياة، وكانت تعتقد أنها ستصلح ما أفسده الدهر، فقد توفيت الامرأة الوحيدة التي أحبتها في حياتها ماما "عصمت" وهي تفتقر حتى لذكر اسمها، وحبيبها الوحيد "لم يعد يحتملها" وهي "ابنة حرام"، كل ذلك كبر من عوالم "ريما" الخاصة، وجعلها تختلق أحداثاً كأنها لم تمر.
لطالما عاشت "ريما" في بحر التخلي، فمنذ طفولتها لفظتها عائلتها الأولى، والثانية، وتوفي صديقها الوحيد، وتعرضت للاغتصاب، إلى أن استطاعت العيش في كنف عائلة حققت لها معادلة "الغرفة الخاصة" والحياة الخاصة، ولكن كل هذا لم يكن كفيلاً بأن تعود لسويتها.
مشكلة الحلقة الأولى وبعض الملفات
قدم العمل جرعة مكثفة ومشوقة من الأحداث، ولكن في الحلقة الأولى كانت هناك جرعة طويلة من البرود في الكثير من اللحظات، جعلت البداية غير مشوقة، ويمكن القول إنها كانت مشتتة في بعض اللحظات، لحين الوصول إلى بر أمان واحد في فكرة "عقد الإلحاق" الذي وضح كل الاحتمالات والخيوط.
يحسب للعمل الطريقة المختلفة في سرد الأحداث وروايتها، ولكن في بعض اللحظات يمكن أن يشعر المشاهد بالشتات في ربط السياق الدرامي مع بعضه، فهنا قلبت الحكاية رأساً على عقب، ولربما كان لذلك سبب.
الحب يستطيع أن يحل المعضلات
"الذين يترددون على العيادات النفسية ليسوا مرضى نفسيين، بل ضحاياهم" منذ أيام قليلة نشر الطبيب رفيف المهنا منشوراً يحمل هذا العنوان، محللاً من خلاله معنى أن يكون الناس هم الأسباب في أن بعضهم ضحايا للآخر، وأعتقد أن العمل هنا قاطع الفكرة ذاتها، ليس كل مريض نفسي هو ضحية شخص ما، بل قد تكون البيئة والظروف غير الملائمة هي التي أودت به إلى هنا.
وهنا كانت الإجابة، لو أن كل شخص وجد حباً حقيقياً من شخص واحد على الأقل، ويد تستطيع الإمساك به، وأذن تسمعه، لما وصل لما هو عليه، ولكن في جل الأمر، هناك يكمن الصراع الحقيقي في الحياة، فالضغوطات ستستمر، وهذا ما سألته.. "أنت قدها؟".
يمكن القول إن المسؤولية اليوم مشتركة في المجتمع، للبحث عن التقليل من وجود أطفال مجهولي النسب، بالبحث وراء القصص والأسباب التي تدفع النساء أو الرجال لترك أبنائهم على قارعة طريق، لربما الظروف الاقتصادية، العادات والتقاليد، وآلاف الأسباب، أوكل ذلك معاً.