الدرس لم ينته

اسبوع يمضي على الحدث الذي لا يزال يثير العالم و لوكان لاقدر المحللين وافضل الخبراء السياسيين حنكة ودراية بالشؤون الدولية في العالم ان يجتمعوا لقراءة المشهد السياسي في تونس قبل الموعد التاريخي الذي شهدته البلاد في الرابع عشر من جانفي الجاري لما استطاعوا التنبؤ بموعد الثورة القادمة الى تونس ولا ان يتوقعوا سقوط النظام وهروب الرئيس المخلوع المذل بتلك الطريقة وبذلك الشكل السريع. |
واذا كانت التحولات المتسارعة التي شهدتها البلاد مع اول بوادر نسمة الحرية التي يتنفسها الشعب بعيدة كل البعد عن كل توقعات وتكهنات الانظار المسلطة على تونس فان الحقيقة ان اول الدروس التي نقلتها تلك التحولات لم تكن لتمر دون ان يتلقفها كل المتتبعين للاحداث الجارية في تونس.قد يكون من الصعب في هذه المرحلة استخلاص جل الدروس التي افرزتها الايام القليلة الماضية رغم ان بعضها قد بدا يتضح حاملا في طياته اكثر من رسالة لا تخفى على الاعين. و اولها ما قاله احد الشعراء في شعب تونس "و كل جبار اذا ما طغى و صار في طغيانه يعصف ارسله الله الى تونس فكل جبار فيها يقصف".
من سيدي بوزيد جاء الدرس الاول الذي افرزته ثورة الشرفاء التي اطلقها البوعزيزي رفضا للاهانة لا سيما بعد ان امتدت تلك الثورة الى مختلف انحاء البلاد وتتحول الى منعرج تاريخي في تاريخ تونس الحديث وتسحب البساط امام كل الاتهامات التي اريد الصاقها بابناء تونس وشبابها التواق الى الخروج من النفق المظلم الذي يحيط به ويخنق انفاسه لتتواتر بعد ذلك الدروس التي ما انفك ابناء هذا البلد الذي طالما اعتقد الكثيرون انه فقد القدرة على التعبير عن افكاره واحلامه عندما وقف ابناء تونس مرة اخرى صفا واحدا للدفاع عن اعراضهم وممتلكاتهم وامنهم في وجه تلك العصابات التي حاولت اجهاض اول ثمار الثورة التي اطلقوها كل ذلك فيما كان الرئيس المخلوع يغادرالبلاد سرا على وقع سقوط المزيد من شهداء الساعات الاخيرة لانتفاضة الشعب. وقد تناقلت مختلف الفضائيات التي تسابقت في نقل اخبار تونس بكثيرمن الاعجاب وهم يشكلون لجان احياء جمعت النساء والرجال من مختلف الفئات الاجتماعية ليقفوا الى جانب قوات الجيش والامن الوطني متسلحين بما توفرلديهم من امكانيات دفاعا عن الوطن والنفس... ولاشك ان الدرس الاهم الذي سيقدمه هذا الشعب للعالم ذلك الذي سيسحب من خلاله كل التوقعات والرهانات والمحاولات بان تتبخر تضحيات ابناء هذه الارض وتتهاوى احلامه قبل ان يتمكن من قطف ثمار ثورته الفتية. وان يكذب كل التوقعات بان تغرق تونس في متاهات الفوضى والتفكك الاجتماعي والانهيار الاقتصادي وهو ما يستوجب بالتاكيد اكثر من الوقوف لرفع تلك الشعارات القديمة الجديدة عن "تونس الغد" و"العهد الجديد" او" التغيير" التي باتت تثير المخاوف وتؤججها بدل ان تبددها... العالم كله يتطلع.. بات اليوم يتطلع الى ما ستؤول اليه الاوضاع في تونس بعد الثورة التي اطلقها ابن الشعب محمد البوعزيزي والتي غيرت وجه البلاد نهائيا لتقطع مع النظام السابق الذي جعل من البلاد مزرعة خاصة وقد بدا هذا العالم يتحسب لامتداد هذه الثورة الى كثير من المجتمعات التي تتطلع بدورها للخروج من حالة الاختناق والاقصاء والتردي الذي تعيش على وقعه...الدرس الاكبر لن يتحقق قبل ان يتجاوز التونسيون الاختبار المرتقب عندما تتوفر الارضية المطلوبة ليعلن الشعب خياره على طريقة الامم الراقية عبر صناديق الاقتراع لتكون وحدها الحكم في اختيار قيادته وممثليه ممن سيتعين عليهم تحقيق العدالة المفقودة ومحاسبة المسؤولين عن اراقة دماء الابرياء وتبديد ثروات البلاد وبدون ذلك فان الدرس لن يكتمل... وفي انتظار ان يتحول الهدوء الحذرالذي بدا يخيم على البلاد الى مرحلة الاستقرار الحقيقي الذي من شانه ان يؤشرالى انتقال حقيقي في المشهد الراهن باتجاه الانفراج وتحقيق التوافق الوطني وتحمل تداعيات الارث الثقيل، يبقى الاكيد ان الدرس النهائي لم يكتمل بعد… و لعل في ما خلص اليه جوان كول المؤرخ الامريكي بجامعة ميشيغان بان الانتفاضة في تونس كانت اكثر الثورات نجاحا في المنطقة منذ 1979 ما يدعو الى ان تكون هذه الثورة الاكثر نجاحا على الاطلاق لانها انطلقت من الشعب واليه تعود..
آسيا العتروس - الصباح
|