تعليق صوتي

الدقيقة بألف ليرة .. التعليق الصوتي "أرخص من الفجل"!

ملفات

السبت,١٨ حزيران ٢٠٢٢

عدي منصور

يخرج سامي (اسم مستعار) من استديو التسجيل بإحدى شركات المنطقة الحرة وسط دمشق، يتصبب عرقاً ويبحث عن أي مشروب ساخن يعيد إلى حباله الصوتية شيئاً من الليونة، بعد تسجيلة "سكريبت" برنامج وثائقي سيُعرض على "ناشيونال جيوغرافيك" أبو ظبي.
ثمانون ألف ليرة سورية سيجنيها سامي لقاء تسجيله ثمانين دقيقة والتي استغرق في إنجازها أكثر من ساعتين في غرفة "مترين بمتر" محكمة العزل، وعدة شهور وربما سنين من التدرب على ذلك.
بينما نسرين التي تعمل في حقل دوبلاج الدراما تتقاضى 4000 ليرة سورية لكل مشهد، إن ذرفت فيه الدموع أو قهقهت ضاحكةً أو قالت "احم" فقط، وعليه يمكن أن تكون أكثر حظاً، إلا أن عدد المنافسين والممثلين يجعل عملية حصولها على مشاهد كثيرة تحقق من خلالها أرباحاً أمر متواتر لا يبعث على الاستقرار.
يقول "وائل حبّال" و هو أبرز معلق صوتي ناطق باللغة العربية وصاحب الصوت العربي لـ "غوغل ماب" إن: "الصوت مرآة الروح"، و هذا ما يجعل من مهنة التعليق الصوتي فن يجب الإلمام بجوانبه والتعبير عنه بشكل جيد لتلبية المستمعين، حاله كحال التمثيل والغناء والفنون التشكيلية.
وتأتي أهمية التعليق الصوتي من أهمية حضوره في العديد من النتاجات التلفزيونية والإذاعية والعروض المسرحية والأفلام وغيرها، حتى تكاد بعض المجالات لا تكتمل دون صوت المعلّق.
الأداء الصوتي غير مشروط  بخامة صوتية مميزة، ولا يوجد صوت سيئ، إنما تدخل التخصصات هذا الميدان، فنجد بعض المعلّقين يختصون بالوثائقيات، وآخرون في الرياضة والمباريات، في حين يذهب البعض لدوبلاج الرسوم المتحركة والدراما وغير ذلك.
ولا يمكن للمعلّق الصوتي أن يتقن صنعته ما لم يدرّب حباله الصوتية على التكيّف مع كل النصوص والانطباعات الواردة ضمنها بالإضافة للتدرب على التلوين وطبقات الصوت والتنقل ضمنها، ولا بد من إتقان اللغة العربية السليمة كشرط أساسي.

بـ السوري أرخص 
تنتشر معظم المنصات والوسائل الإعلامية التي تنتج الوثائقيات والأعمال المختلفة في دول الخليج وتحديداً في الامارات والسعودية وقطر لأسباب تبدو شديدة الوضوح إذا ما نظرنا إلى التسارع الكبير والمواكبة التكنولوجية التي تبهرنا فيها هذه الشاشات، بالإضافة لمصر وبعض الدول الغربية بنسبة أقل.
قلة قليلة من هذه الوسائل تعتمد تنفيذ العمليات الفنية في الدول المقامة عليها لارتفاع التكاليف، فالمعلق الصوتي مثلاً يتقاضى أرقام كبيرة هناك تتجأوز 100$ لكل مئة كلمة، خلافاً للمعلّق العامل في بيروت أو دمشق، هذه الدول التي تعاني عملتها وتنخفض أمام الدولار.
وعليه، تكلفة إنتاج هذه الأعمال في دول شاشات عرضها باهظة الثمن، إنما في شركات دمشق أقل لدرجة النصف، إلا أن هامش ربح الشركة في سورية كبير بما لا يقارن.
يرسلون الأعمال التي تحتاج العمليات الفنية الصوتية إلى لبنان أو سوريا لتنفيذها بأقل التكاليف الممكنة وهي 35 سينت (ألف ليرة تقريباً) لدقيقة الوثائقي و 2 دولار لمشهد الدراما، أي ما يعادل 6000 ليرة سورية، ولا خيار أمام العاملين في هذا الشأن إلا الموافقة والقبول لأن هذه الأسعار موحّدة لدى معظم الشركات.
و بهذا يكون المعلقين الصوتيين انضموا بصحبة مهنتهم إلى قائمة كل الأعمال الأخرى _بضم الهمزة_ التي تعاني الأجور الزهيدة و رخص اليد العاملة.

بـ "جرزة فجل!"
نحتاج مئات ملاييشن الأصابع لكي نختبئ وراءها ونخبئ معها الواقع المعيشي الرديء الذي تعانيه سورية ، فالأسعار تتفاوت وترتفع بشكل شبه يومي، بيد أن الأجور لا تواكب ما يحدث.
كيف يمكن لسامي أن يستمر في العمل بمجال الصوت والتعليق عندما يسجل نصاً وثائقياً مدته ثلاث دقائق و يشتري بثمنه جرذة فجل! وقد يحتاج في اليوم التالي إلى دقيقة تسجيل إضافية اذا ما ارتفع سعر الفجل في الأسواق ( سامي يحب الفجل كثيراً).
إذا ما تجرأ سامي وأقرانه وطلبوا رفع الأسعار سيفقدون الفرصة بالعمل في المجال مرة وإلى الأبد، و السبب ببساطة (روح في غيرك بيشتغل بألف ليرة)، وربما "ببلاش"، فمعظم خريجي دورات التعليق الصوتي المنتشرة وهواة الدخول إلى عالم الإعلام وصناعة الميديا يدخلونه من هذا الباب، بعيداً عن حاجتهم لامتهان التحرير مثلاً بصفته الأداة الأساسية في العمل الإعلامي.
دورات مكلفة مادياً يقدمها بعض الإعلاميين المحترفين أو غير المحترفين، بقصد تعليم المتلقّين بعض مهارات التحكم بالصوت والاطّلاع على نماذج النصوص وكيفية الأداء الأمثل لها، إلا ان القائمين على هذه الدورة ينهون مهمتهم بوقت محدد، لكن فيما بعد ينتشر الخريجون في السوق باحثين عن فرصة ولو كانت "أرخص من الفجل" لإثبات قدراتهم.
وعليه، تعاني هذه المهنة الكثير وتحتاج المزيد من التنظيم والإنصاف وفقاً لمعظم العاملين ضمنها.

فرصة ذهبية
لمن يريد تسجيل هذه المادة صوتياً سيحصل على عدة "سلطة" كاملة، وصرف الأجور بعد شهر ونصف من لحظة إنجاز التسجيل. . وشكراً.