الدمشقيون يحتفون برمضان بمهرجان من الحلويات

شام نيوز- تيسير أحمد
يغالي أهل دمشق في إعداد موائد رمضان، والإفراط في المرطبات والحلوى، ويقال إن عبد الملك بن مروان كان يتسحر من الكنافة، ولذلك تحتل الحلوى موقعاً متقدماً في مبيعات الشهر الفضيل.
فمع رمضان تظهر عند باعة الحلويات، أو البغجاتية كما يسميهم الدماشقة، الحلوى الرمضانية المصنوعة من الكنافة والكلاج كالنهش وأنواع الكنافة، بالإضافة إلى البرازق والغريبة، كما يظهر البرازق والمشبك، والقمر الدين والنقوع والزبيب لصنع أصناف الخشافات، وكذلك الجوز واللوز والفستق والصنوبر لصنع أنواع الحلويات وتزيين المأكولات.
وفي الأسواق الشعبية والعامة كان باعة المرطبات كالتمر هندي وعرق السوس والماورد والتوت الشامي والجلاب ينتشرون في الطرق فيقبل الناس على احتسائها في طريقهم إلى المساجد أو المقاهي لمشاهدة خيال الظل ( كره كوز ) أو الاستماع إلى الحكواتي.
ولكل نوع من حلويات رمضان طريقة خاصة في صنعها ولعل من أطرفها :
الجرادق : وتسمى أيضا "الناعم" وهي ما عملت من العجين المائع، يضع صانعها صاجا من نحاس على نار لينة ويطيّنه بذلك العجين حتى إذا جمد العجين على الصاج .. ينشرونه أياما حتى إذا جف يقلونه بالزيت ويرشون على وجهه مغلي الدبس على شكل خيوط متداخلة , وهذه الجرادق يتفنن صانعوها في إعدادها فمنها الأسمر والأبيض . يحملها المتعيشة ( الباعة المتجولون ) بأقفاص يطوفون بها في الأحياء والأزقة والحواري وينادون عليها بعبارات مسجوعة عذبة (( يللي الهوى رماك يا ناعم .. رماك وكسر عضامك ( عظامك ) يا ناعم، يالله كل سنة والحبايب سالمة يا ناعم .. )) فيقبل الناس على ابتياعها حتى اصبح من المألوف مشاهدتهم وهم يحملون أطباقها إلى منازلهم .
وقد يصنع من الجرادق حلاوة الجرادق وهي مصنوعة من هشيم الأطباق الآنفة الذكر وتكون نسبة الدبس فيها كبيرة فتعرض في ( صدور ) صوان على شكل أهرامات وقد تكون ممدودة .. ولا تباع الجرادق إلا في شهر رمضان وتروج رواجا زائداً . والجردقة هي الرغيف وهي كلمة من أصل فارسي كما يؤكد الباحث الدمشقي منير كيال.
أما النهش : فهو من الحلويات التي يقتصر ظهورها على شهر رمضان ويصنع من رقائق من العجين الممزوج بالبيض تأخذ أشكالا بيضوية أو دائرية بأحجام تكبر أو تصغر حسب الرغبة . وتصنع بنسبة خمس بيضات لكل ألف غرام من الدقيق تعجن مع ( 40 ) غراما من الملح ثم تقسم إلى قطع صغيرة ( كماجات ) بمعدل خمس عشرة كماجة تترك لمدة تقارب الساعة ليستريح العجين ومن ثم يفتح العجين ( يرق ) بواسطة النشابة أو الشوبك على شكل دوائر كبيرة بمساعدة النشاء الناعم والنشابة عصا بطول 150 سم وقطر 3 سم ولها في نهايتها استدارة خاصة لتسهيل الإمساك بها أثناء العمل , أما الشوبك فمثلها ألا انه اقصر طولا واثخن قطرا .
تؤخذ الرقائق الآنفة الذكر وتفرش في صدور تتلاءم سعتها مع اتساع الرقائق بعد أن يطلى الصدر بالسمن كما يرش السمن بين كل رقيقتين حتى يتم العدد ثمانية عشرة حيث يؤتى بالقشدة الممزوجة مع الحليب فتفرش فوق الرقائق الثماني عشرة وبعد ذلك يعاود فرش الرقائق حتى يتم العدد ثماني عشرة فوق القشدة . فإذا تم ذلك تقطع حسب الأشكال والأحجام المرغوبة وترش بالسمن وتدخل إلى الفرن لتخبز على حمو نار هادئة لمدة ساعة من الزمن فإذا نضجت تؤخذ ويرش عليها السمن أيضا وتحلى بالقطر وتزين بالفستق الحلبي فتصبح جاهزة للتناول .
والنهش من الحلويات المحببة في رمضان ولا يقتصر تناولها على فئة من الناس لذلك تتفاوت كمية السمن والبيض ونوع القشدة تبعا لإمكانية الناس المادية ..
البرازق : وتحضر من الطحين المعجون بالسكر والماء والسمن والمحلب بنسبة (1000) غرام إلى نصف الكمية من السكر، ومثل ذلك من السمن أو اكثر إلى ربع الكمية من الماء الممزوج بالخميرة يعجن الجميع حتى يصبح له قوام متجانس . يدمج العجين ويقطع إلى أقراص صغيرة ( كماجات ) ترق وتصنع كما ذكرنا آنفا وهي لذيذة الطعم. وكثير من المترفين يعملونها في الأفران على حسابهم ولا يشترونها من السوق. تروج البرازق في رمضان رواجا زائدا إلا أن ظهورها في الأسواق يبدأ في بداية شهر رجب.
اليف برك : وتصنع من عجين مشابه لعجين النهش الآنف الذكر إلا إنها تحشى باللحم المفروم المقلي مع الصنوبر أو الجبن المفروم مع البيض والبقدونس ولا تباع في الأسواق وإنما تصنع حسب الطلب .
الكنافة : يظهر في رمضان خاصة نوع من الكنافة تعرف بالمغشوشة , وطريقة صنعها لا تختلف عن غيرها من حيث تحضير الكنافة عند الكنيفاتي .
والكنافة هي ما عجن من الطحين الخالص بصورة مائعة .. يخمر العجين ثم يملأ
من ذلك العجين إناء من نحاس يعرف بالجوزة , وهي كجوزة الهند مستطيلة أعلاها مكشوف ولها بأسفلها ثقوب متعددة كالمصفاة .. تدار على صدر من النحاس موضوع على نار لينة فيخرج العجين من تلك الجوزة كالخيطان حتى إذا امتلأ الصدر واستوت ( نضجت ) يرفعونها ويبيعونها لمن أراد شراءها . وتنفق كثيرا على النباتية صناع الحلويات فيصنعون منها أصناف الكنافة ومنها الكنافة المغشوشة الآنفة الذكر تبرم على شكل أسطواني بقطر 8-10 سم بعد أن تحشى بالفستق والقشدة ومن ثم تقلى بالسمن على جمر الفحم ( أو الغاز حاليا ) وتحلى بالقطر .
مساجلات الكنافة!
وكانت الكنافة موضع مساجلات بين الشعراء ومن ما قاله شرف الدين الفائزي :
سقى الله اكناف الكنافة بالقطر وجاد عليها سكر دائم الدّر
وتبّا لأوقات المخلل إنها تمر بلا نفع وتحسب من عمري
وقال أحدهم :
إليك اشتياقي يا كنافة زائد ومالي غناء عنك كلا ولا صبر
فلا زلت أكلي كل يوم وليلة ولا زال منهّلا بجرعاتك القطر
وما دمنا في هذا المجال لابد من ذكر خبز رمضان , ويتفنن الخبازون في صنعه بشكل ملحوظ من تزو يق وتنويع ويعجنون بعضه بالمحلب والزبدة والحليب والزبيب ( القشلميش ) ويزينون بعضه الآخر بالسمسم وحبة البركة ويدللون عليه بأقوال عذبة (( صايم الله وليك ومحمد نبيك صايم , هادا هدية للصايمين ياخال )) . ومن أنواعه المعروك والمنقوش ومشطاح الجمل .