الديمقراطية في الكويت

  

يلاحظ المراقب السياسي للأوضاع السائدة في الكويت تزايد الازمات السياسية بشكل يومي دون ان نفهم أو نحلل بشكل علمي وعقلاني الاسباب والدوافع التي ادت الى استمرار التأزيم..

فالبعض منا يلوم اعضاء مجلس الامة لأنهم لا يفهمون معنى الديموقراطية ولا التزام الدستور أو تطبيق القانون فالنواب استغلوا الديموقراطية لتحقيق مصالحهم الذاتية اولا ومصالح قبائلهم وطوائفهم وعائلاتهم على حساب المصلحة العليا للوطن.

والبعض الآخر يلوم الحكومة لقصور فهمها للديموقراطية وتنازلها عن حقوقها طوعيا للنواب.. بل عمدت الى شراء ذمم النواب من خلال تعيين اقاربهم في المناصب العليا أو منحهم صفقات حكومية مجزية للتنفيع أو شراء ذممهم في حالة الحاجة الى تمرير قانون معين، كما ان الحكومة لا تملك رؤية استراتيجية واضحة ماذا تريد للكويت: ان تكون مستقبلا دولة دينية أم مدنية؟ دولة اقتصاد حر مفتوح أو دولة الرعاية الاشتراكية؟

البعض الآخر يضع اللوم على الشعب الكويتي لأنه تقليدي محافظ وغير مهيأ لتقبل الديموقراطية وممارستها ممارسة حقيقية، فالشعب اتيحت له الفرصة لاختيار افضل العناصر من الشعب للخدمة في الجمعيات التعاونية أو الاندية الرياضية أو جمعيات النفع العام واخيرا مجلس الامة.. لكن كل اختياراتهم سيئة فهم اختاروا اسوأ الناس للجمعيات التعاونية التي اكدت وزارة الشؤون الاجتماعية سرقاتهم وفسادهم واختيارهم لمجالس ادارات الاندية الرياضية ومجلس الامة ليست افضل حالا.. لماذا ينتخب الشعب اسوأ الناس وافسدهم.. لاعتبارات كثيرة اهمها من يمثل مصالح الشعب وليس الوطن من ابناء العمومة والاقارب والعائلة والقبيلة والطائفة.

قد تكون كل هذه الاسباب مجتمعة هي سبب تزايد المشاكل وتردي الاوضاع في البلد.. لذلك علينا ان كنا جادين في خدمة بلدنا والحفاظ على استقرارها وامنها البحث عن الاسباب الحقيقية وراء استمرار الازمات.. وكل ما نطرحه اليوم هو محاولة لفهم ما يجري لأننا لم نعد نفهم ما يدور.

ان من اهم اسباب مشاكلنا المزمنة هو حداثة ممارستنا للديموقراطية الانتخابية، فالديموقراطية لم يصل عمرها الى نصف قرن من الزمن ولم تترسخ او تدخل في النسيج الاجتماعي لمجتمعنا.. فلاتزال ممارساتنا في العائلة والمدرسة والعمل والشارع لا تتسم بالديموقراطية بل يسودها الممارسات غير الديموقراطية والاستبداد من قبل رب العائلة والمدرس ورب العمل والزعران في الشارع، مجتمعنا مجتمع تقليدي محافظ يرفض التغيير ويتخوف منه وهذا ما دفعه الى الاختيارات السيئة في الانتخابات الديموقراطية.. التي تتطلب اضفاء الجديد على آلية الديموقراطية.

ثانيا: علينا تأكيد ان المجتمع العربي الاسلامي في الكويت هو مجتمع مدني وليس مجتمع رجال دين واحزابهم الدينية وهذا امر مهم لأنه لا يتيح الفرصة لكل ابناء المجتمع للمساهمة والمشاركة في تنمية بلدهم.. لان هناك عزلا غير منظور للاقليات على الرغم من كونهم مواطنين مخلصين لبلدهم.

ثالثا: مصيبة الديموقراطية في الكويت في بقائها محصورة في فئة قليلة من المؤمنين بها من رموز اجتماعية من حكام واعضاء مجلس امة وسياسيين واكاديميين ومثقفين واعلاميين ولم تتطور لتخلق طبقة وسطى واسعة تحمي المفاهيم الديموقراطية وتدافع عن مفهوم الحرية ودولة القانون..

حتى القلة من المجتمع الكويتي الذين يدافعون عن الديموقراطية يدعون اليها نظريا دون ان يمارسوها عمليا.. هل يعقل مثلا ان يسن اعضاء مجلس الامة والحكومة قانونا يسمح بإطلاق وفتح الباب لإصدار صحف جديدة ومحطات راديو وتلفزيون جديدة؟ بعدها تقرر الحكومة وبعض اعضاء مجلس الامة التقييد والحصار والدعوة لإغلاق بعض الفضائيات لأنها لا تتوافق مع افكارهم المغلقة، ما هذا الفهم القاصر للديموقراطية؟!

 

جريدة الوطن "الكويتية - شملان العيسى