الربيع في بيتنا

وليد اخلاصي - بلدنا
منذ أيام نجحت شمس آذار في إنتاش الأوراق الأولى لبصيلة «النرجس». وكانت تلك الزهرة، بكبريائها الجميل، قد تفتّحت الربيع الماضي في حديقتي لأيام أشعرتني ببهجة الحياة، ولكنها ذوت مع قدوم الصيف، لتظلَّ بصلتها كامنة في التراب، تحتمي بدهاء من برد الشتاء القادم. وهذا بإيجاز ما تحدّثنا به الطبيعة الخالدة عن تعاقب الكائنات؛ ما يلقي الضوء على مسيرة الحياة.
وحيث همست في أذني أيام الربيع قبل أوانها، أن أبحث في حديقتي الصغيرة عن بوادر ولادة البراعم والأوراق، فإذا بي أعثر على اختراق تلك الأوراق الأولى للتراب بحيوية عزَّزت ثقتي بالأيام القادمة.
وهكذا، عرفت أنَّ بوادر الربيع قد تسلَّلت إلى الحديقة.
وإذا كانت ملامح من كرم الطبيعة قد لاحت فجأة في أيامنا هذه، فإنَّ ما حدث، في الفترة الممتدة عبر السنة الأخيرة، من تطورات حادة في عدد من البلدان العربية، أطلقت عليه وسائل الإعلام العالمية اسم «الربيع العربي». وذلك اللقب سرى في الوجدان الكوني، ليكون قابلاً للتصديق، كما حدث من قبل، وعلى طريقة «البلقنة» و«اللبننة» على سبيل المثال.
وإذا كانت ملامح من كرم الطبيعة قد لاحت فجأة في أيامنا هذه، فإنَّ ما حدث، في الفترة الممتدة عبر السنة الأخيرة، من تطورات حادة في عدد من البلدان العربية، أطلقت عليه وسائل الإعلام العالمية اسم «الربيع العربي». وذلك اللقب سرى في الوجدان الكوني، ليكون قابلاً للتصديق، كما حدث من قبل، وعلى طريقة «البلقنة» و«اللبننة» على سبيل المثال.
وأقول، بكثير من احترام الحقائق: إنَّ الربيع في حديقتي ما هو إلا صناعة الطبيعة في دورتها الرسمية، بينما مصطلح الربيع العربي قد فبركته غرف الظلام في أنحاء من العالم، ويظن أنَّ واحداً من أخطر الذين حجبوا نور الحقيقة هو الفاعل في السياسة الفرنسية، ويدعى «برنارد هنري ليفي». والرجل هذا لم يتوقف يوماً عن الدعوة المحمومة إلى السياسة الصهيونية، التي تخطط وتحلم بالسيطرة على الوطن العربي، تبريراً لإعلانها عن دولتها اليهودية.
ولست على دراية كاملة بأن وقائع ذلك الذي سمّي «الربيع العربي» قد مهّدت الطريق وعبّدته ليعبر عليه إسلاميون بفرقهم المختلفة، فيستولون على السلطة في تلك البلدان التي كان يحكمها رؤوس نظام، فأُطيحت الرؤوس وبقي النظام. فكأن الهدف من ذلك الربيع لم يكن تغييراً جذرياً في طبيعة العلاقة مع الغرب، أو التوافق مع المنظومة الصهيونية التي كانت إسرائيل أبرز حالاتها. وهكذا، كانت اللعبة تتلخّص في نزاع على السلطة بين أطراف في المجتمع.
وأستدعي هنا مثالاً قد لا يكون مماثلاً لحال الربيع العربي، فأذكر أنَّ «القدود الحلبية»، المعروفة في تاريخ الفنّ الشرقي، قد تتطابق في كليتها مع ذلك الربيع العربي. فمن المعروف أنَّ تلك القدود، بكلمات غلب عليها الغزل وشاعت فيها عواطف الحب والتحبب، قد احتفظت بموسيقا الألحان، التي كانت لأغاني تغلب عليها القيم الدينية. ولهذا سميت «القدود». و«القد» هو المساواة في الطول والحجم. والقدود، في صيغتها الدينية والدنيوية، ماهي إلا تنويع لغوي على لحن واحد.
وكأنَّ مثال «القدود الحلبية» ينطبق، بشكل ما، على ثورات ذلك الربيع العربي. فالكلمات قد تغيَّرت أو استُبدلت، ولكنَّ اللحن هو نفسه لم يتبدَّل، وإن كان المنشد والمغني قد تبادلا المواقع. ولكن بالحفاظ بأمانة على الموسيقا ذاتها أو الإيقاع نفسه. ونتساءل إن كان يحقّ لنا الاعتراف بجدوى تسمية تلك الثورات «الربيع العربي»؛ فهو، في الحقيقة، لا يمتّ بصلة إلى الفصول الأربعة. وعلى سبيل المثال، نقترح تسميته «الفصل السابع»، على غرار ما هو معروف في لوائح العقوبات للأمم المتحدة.
وأظلّ، وما زلت، أتطلع بشوق إلى ما يمكن تسميته «الربيع السوري»، الذي استشعرته من خلال نبتة «النرجس» في حديقتي، التي تبشر بقدوم الربيع الحقيقي دون تزييف لطبيعة المواسم، ودون تلاعب خبيث بالفصول. وهذا ما أظنّه تخوّفاً من محاولات لا تكلّ ولا تملّ بتغيير طبيعة الجغرافيا وواقعية التاريخ.