الرياض - السعودة مثل الكولسترول

 

أستطيع أن أدّعي وأقول بأني من أوائل الذين شاركوا في بناء مصطلح السعودة وتطبيقه على الواقع. لكي يأخذ الادعاء مداه أقول إن برنامج السعودة الذي شاركت فيه حقق نجاحات كبيرة وإخفاقات أكبر.

من تجربتي اكتشفت أن السعودة لها وجهان متقاتلان. الناس مع الأسف تتحدث عن السعودة كأنها شيء واحد حقيقة الأمر السعودة مثل الكلسترول، فيها ما هو ضار وفيها ما هو نافع. من حسن حظي أني شاركت في السعودة النافعة في العشر سنوات الأولى من عمري الإداري ومن حسن حظي أيضا أن انقلبت الأمور لأجد نفسي أتابع تطور السعودة الضارة كمن يشاهد سفينة تغرق وهو على ظهرها.

من عام 83 إلى 93 كنا نعمل في إطار برنامج عريض وطموح لسعودة الجهاز الضخم الذي نعمل فيه. ومن عام 93 إلى عام 97 تم التحول السريع من السعودة النافعة إلى الضارة. أستطيع أن اسمي السنوات الأربع الأخيرة سنوات التصحيح أو العودة إلى الجذور. لعل القارئ يفهم من هذا أن الأصل هو السعودة الضارة. لا يمكن أن يكون الضار هو الصحيح ولكن علينا أن نقر أن الصحيح في العرف، هو السائد والمتبع،والذي تعود الأمور إلى الاستقامة على نهجه. إحدى السعودتين رسمها الكنديون والأخرى رسمها السعوديون. تستطيع أخي الكريم تخمين من قاد النافعة ومن قاد الضارة. إذا عجزت عن التخمين انتظر قليلا.

برنامج السعودة الذي صممه الكنديون وبعض المدراء السعوديين لا يقوم على توظيف السعوديين لأنهم سعوديون. هناك وظيفة تحتاج إلى موظف هذه شروط إشغالها، مع افتراض منهجي أن كل السعوديين لا يستطيعون تلبية هذه الشروط. تم وضع برامج توظيف وبرامج تدريب منظم وبرامج تدريب على رأس العمل وبرامج تدريب خارجية وبرامج تسويق للوظائف الشاغرة. اكتشفت من تجربتي مع هذه البرامج أن التدريب أهم عامل في حياة الموظف. يعيد صياغة الإنسان. يرفع من كفاءته والأهم يعزز ولاء هذا الموظف لإدارته. اكتشفت أيضا أن الولاء هو أهم المهارات في العمل.

كنا نعمل بانتظام وسعادة ونجاحات مشهودة إلى أن اكتشف الزملاء في الوزارة في شؤون الموظفين أن موظفينا يخرجون ويدخلون بلا توقيع حضور لا صباحا ولا مساء. . يعني سمردحة. أعلنت حالة الطوارئ. رفعت أوراق للوزير ونزلت أوراق من الوكيل وجاء مفتشون وراح مثلهم. أخيرا صدر قرار باعتماد التوقيع لكل موظف بدون استثناء بما فيهم الكنديون. استهترنا بالأمر وليتنا لم نفعل. اكتشفوا أننا لم نوف هذه الشعيرة العظيمة حقها. كنا قليلي الخبرة. لم نكن نعرف أنها عمود الإدارة. اضطروا إلى إعادة هيكلة إدارة التدريب لدينا وضمها إلى إدارة التدريب في الوزارة، ثم عينوا علينا مندوباً سامياً بمثابة الهادي إلى سواء السبيل. في اليوم الأول وقبل أن يقول باسم الله، جمع تراثنا من الأوراق(برامج تدريب وخطط وترجمات) بعضها كلف الدولة ملايين الريالات وألوفاً من ساعات العمل والبحوث والدراسات ثم دحاها في كراتين وحملها في شنطة ونيت داتسون وبعث بها إلى مستودعات الوزارة في الفايزية.

الحكاية لم تنته هنا. الحكاية بدأت من هنا.

 

الرياض - عبد الله بخيت