الزمان - سياسيو العراق

 

لم يسلم العراق بعد من موجات السيارات المفخخة التي تحصد عشرات الضحايا الأبرياء، وان لم تكن هذه الانفجارات الدامية تحدث بصورة يومية مثلما كانت في الماضي غير البعيد، فهي تحدث علي الأقل كل بضعة ايام لتعيد مشاهد الدماء والدمار والتخريب في كافة المدن العراقية. فلا توجد مدينة بالعراق نستطيع ان نقول انها تعيش في مأمن من هذه السيارات والعبوات الناسفة. فموجات العنف مستمرة ولم تبدأ وتيرتها في التراجع بالصورة المرجوة، كما كان يأمل الأمريكيون الذين أعلنوا سحب قواتهم من العراق.

 


واذا كان الاجتماع السابع لوزراء داخلية جوار العراق في المنامة، قد تزامن تقريبا مع تزايد أعمال العنف في العراق، فهو علي الأقل بحث سبل دعم أمن واستقرار العراق. وبالتأكيد، قد تمخض عن هذا الاجتماع نتائج مهمة، ستساهم بلا شك بشكل ملموس في تحسين الوضع الأمني بالعراق من خلال التنسيق والتواصل المستمر بين الدول المشاركة. فهذا الاجتماع السنوي هو بمثابة الاطار شبه المؤسسي الذي يضم وزراء داخلية دول جوار العراق وهي ايران وتركيا وسوريا والأردن والسعودية والكويت اضافة الي البحرين ومصر والجامعة العربية.. ويبحث بصورة دورية كيفية دعم دول الجوار للعراق وتقديم المساعدات من أجل توفير الأمن والاستقرار.

  


نعود الي أعمال العنف، ولا يهم هنا ما اذا كانت الاتهامات موجهة للقاعدة او جماعة الصحوة أو أية جهة شيعية أو سنية، فالمهم ان العنف متواصل، وهو بالقطع الذخيرة الحية للاقتتال الطائفي. ويقلل العراقيون من أهمية تصريحات مسئولي الأمن عندما يقولون ان الهجمات المسلحة انخفضت خلال الشهرين الماضيين.

  


رجال الأمن في العراق يرفضون فكرة ان للارهابيين مناطق محددة يستخدمونها لاطلاق الصواريخ وقذائف الهاون. ومبرر الأمن في هذا الرفض، هو ان كل المناطق وبغداد تحديدا تحت سيطرة القوات الأمنية ولا توجد منطقة تحت سيطرة الارهابيين. ووفقا لتقديرات وزير الداخلية العراقي جواد بولاني، فان عدد العمليات الارهابية في عموم العراق بما فيها بغداد خلال عامي 2006 و2007 كانت تصل الي نحو 200 عملية ارهابية، من بينها 25 أو 30 عملية مؤثرة، بينما نفذ هذا العام بحدود 15 عملية ارهابية، منها 3 عمليات مؤثرة. ويعزو بولاني أسباب هذا الانخفاض في العمليات الارهابية الي التدريبات التي تتلقاها القوات الأمنية والمسلحة، ولكن تبقي الحاجة الي جهود القوات الأمريكية المتبقية لأغراض التدريب وتقديم الاستشارة و التجهيزات والتسليح متطور، وكل هذا يتوقف علي تشكيل الحكومة الجديدة.

  


المشكلة في العراق هو تكثيف كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين لمقولات أصبحت عديمة الجدوي في هذا البلد الذي يعاني الأمرين من سياسييه ومسؤولية الأمنيين. فبعض المسؤولين يزعمون ان الفتنة لم تعد قائمة في العراق، ثم سرعان ما تشن جهة ما هجوما انتحاريا ضد فئة أخري. ثم يتحدث مسؤول اخر عن تراجع أعمال العنف، ليرد عليه آخرون بأعمال عنف اشد فتكا بما سبقها.

  


اللافت في العراق، ان الأمريكيين هم الذين يشكون من تردي الأوضاع الأمنية. مشوعلي سبيل المثال، أعرب كريستوفر هيل سفير الولايات المتحدة السابق الذي انهي عمله بالعراق قبل ايام، عن استيائه البالغ بفشل السياسيين من التوصل لاتفاق ينهي الأزمة السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة بعد نحو 5 اشهر تقريبا من اعلان نتائج الانتخابات التشريعية. ولم يجد هيل للتعبير عن غضبه سوي قوله: "احساسي ان صبر الشعب العراقي علي سياسييه بدأ في النفاد". مسؤول أمريكي آخر هو ريان كروكر الذي سبق هيل كسفير للولايات المتحدة في العراق يتساءل:" هل هذا النظام سيعمل من اجل صالح العراق؟". بالتأكيد يشكك كروكر في الجواب بنعم، ولكنه يشدد علي أهمية الحاجة للتعامل مع تساؤله في المستقبل.

  


كروكر لم يتهم النخبة السياسية العراقية مباشرة بالتآمر علي بلادهم، بيد ان آخرين غيره لا يتورعون في توجيه أصابع الاتهام الي هذه النخب بوصفها " فاسدة" وهي التي عاشت حياة المنفي بكل ما فيها من مؤامرات وشكوك ومناورات. هذه الصفات السلبية لا تزال تحكم السياسيين العراقيين العائدين من حياة المنفي، والسبب بالقطع هو التحايل علي الوضع الحالي في العراق، من اجل تحقيق اكبر قدر من المكاسب سواء الشخصية او للحزب او التكتل السياسي التي تنتمي اليه.

  


ويضع عادل عبدالمهدي نائب الرئيس العراقي يده علي المشكلة ولم يجد غضاضة في قوله :" انه يجب ان يخجل العراقيون من الطريقة التي يقودون بها البلاد، فالكثير منهم يتصرف كما لو كان في المعارضة، ولا يحاولون بناء الدولة".

  


لقد فشل الأمريكيون في ضم الفرقاء السياسيين العراقيين من اجل التوصل لاتفاق ينهي فترة البلبلة والتوصل الي تشكيل حكومة لذر الرماد في الأعين. وغالبا ما تفشل الاتفاقات بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات قبل ان يأتي موعد تنفيذها، ثم يتراجع الجميع عما اتفقوا عليه. حتي لو توصلت الكتل السياسية لتشكيلة الحكومة المرتقبة، فهي ستكون علي الأغلب حكومة ضعيفة ومعرضة للهزات السياسية ولا تستطيع تجاوز الأزمات، وهو ما يشكل أزمة دائمة للأمريكيين، لان هذا الفشل غالبا ستتحمله الادارة الأمريكية كارث دائم لها، لانها هي التي قضت علي حزب البعث والبعثيين، ثم اختارت هؤلاء السياسيين الجدد وجاءت بهم من منفاهم ليكون حكام العراق الجدد. هذا الأمر يثير مشكلة حقيقية لواشنطن، فهي تفكر دائما في الهيكل السياسي وجوهره الذي ستتركه بعد مغادرة القوات الأمريكية بحلول عام 2012.

  


واذا عدنا الي المشكلة الأمنية في العراق، فالتساؤل هو: "من يتحمل مسؤولية هذا الاضطراب الأمني، الجيش أم قوات الأمن والشرطة؟".. الأسئلة لن تنتهي، ولكن الفشل يكمن في النخب السياسية، ففشلها في ادارة أمور الدولة ينعكس سلبا علي أداء الأمن وفاعليته في مواجهة الارهاب وأعمال العنف.


ان مشكلة العراق، تكمن في سياسييه، فهم ليسوا سوي نماذج زخرفية للسلطة الباهتة، يتركون القضايا المهمة والاستراتيجية لبحث ما هو اقل أهمية. فقد اكتفي السياسيون بالاحتفال بغنائم النصر وأضحت المؤسسات العراقية يستشري فيها الفساد. فالأمر جد خطير وصعب، ولكن يضاف الي ضعف وهشاشة الطبقة السياسية العراقية الجديدة، اتهام يطال جيران العراق خاصة تركيا وايران، اذ تتدخلان في ادارة الحياة السياسية، برغم ان اللوم هنا يقع فرضا علي السياسيين العراقيين وليس طهران او أنقرة، لأنهم هم الذين سمحوا بهذا التدخل. وكمثال علي مثل هذا التدخل السافر من قبل الايرانيين والأتراك في التطورات السياسية العراقية، هو اعتراض انقرة علي نوري المالكي فيما ترفض طهران اياد علاوي، رغم اقتراح واشنطن تقاسم السلطة بين كتلة "دولة القانون" بزعامة المالكي وتكتل " العراقية" بزعامة علاوي، علي ان يبقي الأول رئيسا للوزراء، وان يتسلم الثاني الملف الأمني. وهنا ظهرت الاعتراضات التركية علي المالكي ولم تخف ايران رفضها لعلاوي. هذا الواقع السياسي يرفضه وزير خارجية العراق هوشيار زيباري، لانه يرفض التدخلات التركية والايرانية في عملية تشكيل الحكومة العراقية، ولكنه يقبل بتدخل الدول العربية مع دول الجوار من اجل مواصلة العمل علي استقرار العراق، علي ان يكون التدخل علي مسافة واحدة من الجميع، حتي لا يحدث فراغا دستوريا او امنيا أو سياسيا. ويرفض يباري ايضا استقواء بعض الاطراف العراقية بقوي خارجية سواء عربية او اقليمية، لان مثل هذه الاستقطابات تعرقل تشكيل الحكومة.


ولعل اعلان انسحاب القوات الأمريكية وتأخير تشكيل الحكومة لهو من دواعي زيادة وتيرة العمليات الارهابية رغم تصريحات المسئولين الأمنيين بتراجع وتيرتها، وقد خلق هذين العاملين فرصة للارهابيين لاختراق الأوضاع الأمنية التي ربما كانت استقرت نوعا ما مؤخرا.. فتأخير تشكيل الحكومة منح الكثير من التبعات للارهابيين، التي ستؤدي الي حدوث عمليات ارهابية أخري.. وكلما تم الاسراع بتشكيل الحكومة، فسيكون ذلك عاملا مهما في ردع الارهاب والجريمة المنظمة في العراق، لأن الاستقرار الأمني لا يعني أجهزة أمنية وتدريبا ومعدات فقط، بل يرتبط الأمر بعموم الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمات في العراق.


ومما لا شك فيه، ان تشكيل الحكومة الجديدة سوف يعزز كثيرا من القدرات الأمنية واستقرار الأوضاع في العراق، اذ أن كل حكومة جديدة تسعي لأن تؤكد قدراتها ووجودها، كما أن تشكيل الحكومة يعني وجود برلمان قوي ورئاسة جمهورية ومؤسسات راسخة وهذا يشعر المواطن بالاستقرار من جهة ويبعث برسالة قوية الي العناصر الارهابية محتواها وجود دولة قوية قادرة علي ردعهم.


ويضاف الي الشق الأمني، أن تشكيل الحكومة يعني أيضا استقرار الاقتصاد العراقي ووجود استثمارات وعمل يستقطب العاطلين عن العمل، فمع هذه الأعداد الكبيرة من العاطلين، ووجود شعور بالاحباط من قبل المواطنين، والشعور بالحاجة وغياب الخدمات كل هذه الظروف تشكل حاضنة للارهابيين ولنمو عصابات الجريمة المنظمة. أما اذا تحسنت الأوضاع السياسية والاقتصادية والخدمات، سوف يتيح فرص عمل واسعة أمام العاطلين ويفرض احترام الناس للقانون. و لهذا كله، فان معركة الحكومة المقبلة هي التنمية وأهمية تأكيدها الي المشاريع التنموية والبناء، وهذا يحتاج الي جهود وكفاءات عراقية مخلصة. ومن هنا نقول، ان أمن العراق هو مسئولية الجميع، السياسيون العراقيون ودول الجوار والقوي الاقليمية، لينهض العراق الجديد من سباته.

الزمان - احمد المرشد